يتوجه الناخبون الكويتيون لصناديق الاقتراع يوم الخميس القادم لانتخاب أعضاء مجلس الأمة الخمسين، في رابع انتخابات تجرى خلال خمس سنوات، وهي انتخابات يرى مراقبون أنها مختلفة هذه المرة، صحيح أن كل انتخابات تختلف عن سابقتها أو عن لاحقتها، ولكن انتخابات هذا العام جاءت بعد حراك شعبي كويتي غير مسبوق، وهو حراك بدأ قبل أن ينطلق الربيع العربي مطالباً بتغيير رئيس الوزراء ثم تطور ليرفع سقف مطالبه بحل البرلمان، وبين هذه المطالب تم استجواب رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح لأول مرة، ثم تكرر استجوابه أكثر من مرة، وجاء يوم 28 نوفمبر الماضي لتشهد الكويت أكبر تظاهرة في تاريخها قاربت المئة ألف أي 10% تقريباً من سكان الكويت البالغ عددهم مليوناً تقريباً، فاستقالت الحكومة وبعدها بأيام حل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد البرلمان، ودعا لانتخابات عامة ستجرى الخميس المقبل. إذن، فالانتخابات هذه المرة جاءت بضغط شعبي وبمطلب عام تكرر على مدى الأشهر الماضية، بعدما شعر الشعب الكويتي بإهانة على إثر تداعيات التحويلات المليونية لحسابات بعض النواب فيما عرف بالشارع الكويتي بفضيحة "القبيضة"، ومن ثم فإن مراقبين يتوقعون أن تنتج عنها تغييرات كبيرة في نتائجها لاحت بوادرها حتى قبل إجرائها، فلقد بلغ التغيير حتى الآن ما نسبته 20% من النواب السابقين قبل أن تجرى الانتخابات، إذ انسحب عشرة نواب أو أحجموا عن الانتخابات، بعدما استبعدتهم الانتخابات الفرعية القبلية التي أجرتها بعض القبائل لمرشحيها على الرغم من تجريم القانون لها، وهو الأمر الذي جابهته الحكومة بتحويل المشاركين فيها للنيابة بتهمة انتهاك القانون. تشهد الانتخابات الكويتية هذه المرحلة حالة من الاحتقان الطائفي وخصوصاً في الدوائر التي تتقاسمها الطائفتان السنية والشيعية، كما شهدت إجراء انتخابات قبلية فرعية في الدوائر التي تسودها غالبية قبلية، كما يلاحظ عليها قبول الحكومة وللمرة الأولى في تاريخ الديمقراطية الكويتية منذ إقرار الدستور عام 1962 بمسألة الرقابة المحلية والدولية على الانتخابات، وعلى الرغم من انتقادات وجهتها المعارضة لجمعية الشفافية الكويتية التي اختارتها الحكومة لمراقبة الانتخابات، إلا أن المبدأ الذي كانت ترفضه الحكومة في السابق، قد تم إقراره وهذا هو المهم مرحليّاً. ولقد دخل الإعلام الإلكتروني وإعلام التواصل الإلكتروني في هذه الانتخابات بقوة غير مسبوقة، وهي ظاهرة سوف تتعاظم مع انتشار هذه التكنولوجيا وبروز أهميتها وخصوصاً بين الشباب. فقد اعتمدوا عليها لحشد التظاهرات، واستخدموها وسيلة لنشر الأخبار، وإيصال رسائلهم دون عناء أو تكلفة مالية. وعلى صعيد الخطاب الانتخابي، يبرز في الانتخابات الكويتية هذه الأيام فريقان: الأول فريق المعارضة والمطالبة بتغيير جذري في آلية القرار الكويتي، ويطالب بتحويل الكويت إلى دائرة انتخابية واحدة واعتماد الأحزاب وشعبية الحكومية وتعزيز استقلالية القضاء، ويتهم خصومه بالموالاة للحكومة لأسباب مصلحية بحتة تتعلق بالفساد والاستفادة من العطايا الحكومية التي هي رشوة سياسية. والثاني فريق موالٍ للحكومة يؤيد سياستها ويقف معها، وينصب خطابه على مهاجمة الفريق الأول، ويتهمه بالتأزيم وإثارة البلبلة بل وحتى بالانقلاب على الحكم وخدمة "أجندات خارجية". وبين هذين الفريقين، تقف مجاميع من الأغلبية الصامتة التي تشعر بالقلق من حدة الخطاب السياسي، وتخشى من تحول هذا الخطاب إلى شرر قد يؤدي إلى صدامات بدنية في البرلمان مثلما جرى للمرة الأولى في البرلمان السابق. بحلوها ومرها، تبقى التجربة الديمقراطية الكويتية متميزة في المنطقة، والقلق عليها قد يكون أحياناً قلقاً منها، فلا توجد ديمقراطية مكتملة، ولا ديمقراطية حقيقية دون استمرارها وتطورها... ولذلك سينتخب الكويتيون الخميس القادم...