أصبح الاهتمام بتطوير تعليم اللغة العربية يشكل أولوية ملحّة لدى القائمين على العملية التعليمية بمراحلها المختلفة، ليس فقط لأنها تعدّ اللغة الوطنية ورمز الهوية الوطنية، التي تعبّر عن حضارة الدولة، وتعكس هويتها وخصوصيتها الثقافية والحضارية والمجتمعية، وإنما أيضاً نظراً إلى تراجع مستوى كثير من الطلاب في اللغة العربية بصورة واضحة، لدرجة أن صحيفة "الإمارات اليوم" ذكرت في تحقيق نشرته، مؤخراً، أن طلبة في الثانوية لا يجيدون القراءة والكتابة باللغة العربية، وتحتوي أوراق امتحاناتهم على عدد كبير من الأخطاء الإملائية. لهذا فإن ما أعلنه "مجلس أبوظبي للتعليم"، مؤخراً، عن تطوير تعليم اللغة العربية في المدارس، وجعلها من المواد الجاذبة للطلاب يعدّ توجّهاً مهمّاً، من شأنه التعاطي مع هذه المشكلة التي ترتبط بهويتنا الثقافية والوطنية. هناك بالفعل اهتمام متنامٍ بتطوير تعليم اللغة العربية في مدارسنا وجامعاتنا، فبرنامج "تمعن" الذي يطبّقه "مجلس أبوظبي للتعليم" يستهدف معالجة بعض الجوانب الخاصة بتعليم اللغة العربية، من خلال تثقيف الطالب وتعريفه بالمؤلفات والكتب العربية عبر نصوص وقراءات متعدّدة، وفي الوقت ذاته يحثّ المجلس أولياء الأمور على ضرورة تشجيع أبنائهم على التحدّث بكلمات عربية فصحى في مرحلة عمرية باكرة لتعزيز مهارات اللغة العربية لديهم، وكذلك تخصيص يوم واحد في الأسبوع للحديث معهم بالعربية الفصحى دون إدخال أي مصطلحات أجنبية، كما أن وزارة التربية والتعليم اتجهت مؤخراً إلى العمل على تحسين أداء طلبة التعليم العام في اللغة العربية من خلال برنامج واضح ومحدّد يستهدف تدريس بعض المواد الرئيسية باللغة العربية في المدارس الحكومية والخاصة، وعلى مستوى التعليم الجامعي فإن استراتيجية تطوير التعليم العالي في جميع المؤسسات الحكومية والخاصة تضمن التزام تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية وفق معايير علميّة وتطبيقيّة عالميّة. لقد أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- في الكلمة التي وجّهها بمناسبة العيد الوطني السادس والثلاثين أن "اللغة العربية هي قلب الهوية الوطنية ودرعها، وروح الأمة، وعنصر أصالتها، ووعاء فكرها وتراثها"، وهذا يشير بوضوح إلى أن الحفاظ على اللغة العربية وتعزيزها بات يشكل ضرورة وطنية للحفاظ على هويتنا الوطنية والثقافية، خاصة في مواجهة التأثير السلبي الذي تتركه هذه الثقافات الوافدة، بسبب قاموس المفردات الغريبة والكثيرة التي تشوّه لغتنا العربية، وهذا لاشكّ يضاعف من أهميّة الجهود التي تبذل على أكثر من مستوى لتطوير تعليم اللغة العربية في مدارسنا وجامعاتنا، خاصة مع توجّه كثير من طلابنا نحو هجرة المدارس الحكومية إلى المدارس الأجنبية الخاصة التي تتكاثر بصورة مطردة، وتلقى إقبالاً كبيراً، وهذه المدارس تركز بالأساس على تعليم اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية الأم، وتكرّس لثقافات وقيم مختلفة، لأن استبعاد اللغة العربية من مناهج التعليم يقلل بالطبع من دورها كوعاء ثقافي حضاري، خاصة أن اللغة مرتبطة بالسلوك والعادات والتقاليد والثقافة، وهو الأمر الذي يؤكد ضرورة مواصلة تطوير تعليم اللغة العربية في مدارسنا ليس لمواجهة مثل هذه التأثيرات السلبية فقط، وإنما أيضاً من أجل بناء الشخصية الطلابية المعتزة بوطنها وقيمها وتقاليدها العربية الأصيلة.