زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني "ون جياباو" إلى منطقة الخليج مؤخراً لاشك لها دلالات وأهداف عديدة. إذ على رغم ما تشكله الصين من ثقل دولي، خصوصاً في مجلس الأمن، حيث بدت لسنوات نداً قويّاً للولايات المتحدة وحلفائها، ولها حق النقض "الفيتو" في ذاك المجلس، وهو ما تزداد قيمته خصوصاً في ظل تداعيات الحراك العربي، وانقسام الآراء حول مسوغات دعم الثورات العربية أو إبقاء القبضة الحديدية لبعض الأنظمة الديكتاتورية، أو مطالبة الأمم المتحدة بالتدخل، كما يتردد الآن حول الملف السوري. وكذلك حول الملف النووي الإيراني، والدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط المناهض لسياسات الولايات المتحدة وحلفائها. وعلى رغم ذلك فإن الصينيين قد قرروا فتح صفحة جديدة مع دول المنطقة، وذلك عبر توقيع عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والبيئية والبترولية، واتفاقيات أخرى لإنشاء مصانع ضخمة بأموال خليجية، ناهيك عن قضايا البيئة والاستخدام النظيف للطاقة، وغيرها من المواضيع التجارية والثقافية. ولقد شدد رئيس مجلس الدولة الصيني في تصريح له بالدوحة على أنه "يحمل مشاعر الود من الشعب الصيني إلى الشعب العربي، ومن أجل توثيق الصداقة الصينية العربية وتعزيز التعاون الصيني الخليجي، وليس من أجل النفط كما يُشاع". وقد ذكرت معلومات صحفية تزامن زيارة المسؤول الصيني الكبير والوفد المرافق له مع أنباء عن احتمال فرض حظر على النفط الإيراني، الأمر الذي سيحرم الصين من حوالي (553 ألف برميل يوميّاً من النفط الإيراني). وهذا ما حتم تلك الزيارة وفق هذا التحليل. ولكننا نعتقد أن "إشاعة" تأمين النفط تأكدت من خلال الحرص الصيني على تأمين الطاقة ومنع عرقلة انسيابها من أي طرف. وقد وجه المسؤول الصيني رسالة واضحة لإيران -على رغم دفء العلاقات الصينية الإيرانية- فيما يتعلق بموضوع إغلاق مضيق هرمز، حيث ذكر: "يجب ضمان أمن مضيق هرمز، وتأمين نقل النفط، لأن هذا يتعلق بمصالح العالم، وأي تصرّف من أي طرف في هذا الإطار سيكون مناقضاً لرغبة العالم، ويهدد مصالحه في وصول الطاقة من مصادرها". ولهذا التصريح دلالات واضحة، قد تبرر الاتجاه الجديد للصين، بالنظر إلى مواقفها تجاه مختلف قضايا العالم، وانحيازها دائماً للمعسكر المناهض للولايات المتحدة. كما أن تصريح المسؤول الصيني في 18 يناير حول معارضة بلاده لامتلاك طهران أسلحة نووية أيضاً يدعم هذا الاتجاه، ولربما تبدّل اتجاه إبرة بوصلة الصين نحو مصالحها الحيوية. ومن الملفت أن الاتفاقيات التي وقعها الوفد الصيني في الدول الخليجية التي زارها مؤخراً تزامنت أيضاً مع تصريحات خليجية أكدت على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة ومنع انتشار الأسلحة النووية وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك الأسلحة النووية، وهذه أيضاً رسالة واضحة. ويرى مراقبون أن الانفتاح الصيني الجديد على دول مجلس التعاون أمر حتمهُ البحث عن أسواق للإنتاج الصيني الضخم وحاجة الصين للطاقة. كما أن بكين أرادت الخروج من تابوت الأيديولوجيا والانكفاء على الذات، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور لاعبين جدد على الساحة الدولية، ناهيك عن تمتع الصين بمقعد دائم في مجلس الأمن، ودور ذلك في التأثير على قرارات مجلس الأمن في مواجهة مشاريع القرارات التي تأتي من أوروبا وأميركا. وهنالك من يرى أن الاتفاقيات بين الجانب الصيني والجانب الخليجي (كلاً على حدة) هدفت أيضاً إلى إيجاد توازن في الميزان التجاري بين الطرفين الذي دوماً ما يميل لصالح الصين. وقد أوضح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، بعد اجتماعه مع رئيس مجلس الدولة الصيني في الرياض، أن العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون تنمو بوتيرة ملحوظة، وخاصة في المجال الاقتصادي، وأن معدل النمو الاقتصادي (التبادل بين الطرفين) قد بلغ مئة مليار دولار العام الماضي، ما يتيح الفرصة لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الجانبين. ويرى اقتصاديون خليجيون أن دخول الصين في شراكة مع الجانب الخليجي يجب أن يكون على أساس متوازن ومدروس، بحيث يستفيد منها الطرفان، ناهيك عن قضية (الجودة) في الإنتاج. وهي قضية مهمة إذا ما قامت صناعات خليجية صينية في دول المنطقة. لأن السوق الحالية للإنتاج الصيني فيها العديد من درجات الجودة، وهذا يؤثر على أسعار ذلك الإنتاج. إن الصين حتماً تريد تأمين الطاقة (وهي ثاني أكبر مستورد للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية)، ودخولها في شراكات مع منتجي الطاقة أمر يؤمّن لها التدفق السهل للطاقة، ولكن يجب عدم إهمال المصلحة الخليجية في تلك الشراكات، وأن يتم توظيفها لخدمة قضايا بلدان مجلس التعاون. ولعل أمن المنطقة وكسب صوت الصين إلى الجانب الخليجي والعربي في المحافل الدولية سيعززان تلك العلاقات أو الشراكات إذا ما تم توظيف ذلك الأمر التوظيف المناسب.