مجموعة شباب قاموا بقلب صفحة ثقيلة من كتاب التاريخ العربي بمفردهم، وبعد أن وصلوا للصفحة التالية لم يسمح لهم بالكتابة فيها! هذه هي الصورة الواقعية لما يحدث اليوم في العالم العربي، ومن أخذ حق الكتابة في هذه الصفحة الجديدة هم الأحزاب السياسية والجماعات الإسلامية بشكل أكبر، أما الشباب فبقوا بعيداً عن العمل التنفيذي وبعضهم لا يزال يطالب وهو مستمر في ثورته التي يشعر أنها لم تتحقق بالكامل. قبل عام من الآن كانت الأرض غير الأرض والسماء غير السماء والناس غير الناس والأحلام غير الأحلام والأفكار غير الأفكار... قبل عام من اليوم كان العالم العربي مختلفاً تماماً وكان المواطن العربي في حال غير الحال الذي هو عليه اليوم، لقد كتب القدر أن يكون عام 2011 هو عام التغيير العربي وعام انقلاب الأفكار والمفاهيم وعام إزالة الألغام... فماذا عن العام الذي يليه؟ بعد عام من الثورة يقف الجميع ليقيم ما حدث بعد تلك العاصفة بل ذلك التسونامي العربي الذي اجتاح منطقتنا، وجذب أنظار العالم إليها، وأثار الإعجاب بما قام به الشباب العربي من ثورة سلمية من أجل التغيير، وهناك من هو راض عما حدث وما تم وما وصلنا إليه، لكن يبدو أن الأغلبية غير راضية وتعتقد أن الثورات لم تحقق أهدافها بعد كما أن هناك من يرى أن الثورات اختطفت بفعل فاعل. بعد عام من الثورة البعض يتساءل: هل كنا بحاجة إلى كل تلك الثورات في عام واحد؟ الواقع يقول إنه عندما يتحرك الشعب يصعب إيقافه. والسؤال الآخر: هل كل الدول بحاجة إلى ثورة حتى تحقق التغيير؟ جاءت الإجابة من أرض الواقع، ليس بالضرورة أن يكون ذلك، فأغلب الدول العربية التي لم تصلها الثورات حاولت أن تتفادى الغضب الشعبي بإجراء إصلاحات فعلية، بعضها نجح وبعضها الآخر لا يزال يحاول. الثورة العربية هي حالة عدوى انتقلت من بلد إلى آخر، وكانت هذه العدوى ملحة على شعوب الدول التي عاثت حكوماتها فساداً في الأرض والتي أصبح من يحكمها لا يكترث إلا بنفسه وبمن حوله من حزبه، أما باقي الشعب فكان في عالم آخر، لذا فقد كان التغيير حتمياً في ظل أنظمة مهترئة جلس قادتها على كراسيهم عقوداً طويلة، حتى ملت كراسيهم منهم! في المقابل كانت إنجازاتهم في حق شعوبهم وبلدانهم ضئيلة لا تكاد تذكر! الغرب كان تدخله في الثورات العربية مشبوهاً، ففي البداية وقف مع الثوار الذين كانوا في الأساس مجموعات من الشباب غير المؤدلج والذين لا يمثلون أية تيارات سياسية، وبعد نجاح الثورة أصبح الغرب يدير لهم ظهره ويقف مع من يراه منتصراً. ومن الواضح أن الغرب لا يهمه من سيحكم ولا يهمه إن تحققت مطالب الشباب ومطالب الشعب، لكن المهم أن يأتي من يحافظ على مصالحه، فالغرب يرى أن من غير المسموح أن تتوقف وتتعطل تلك المصالح، لقد نسي أولئك الذين يقفون مع الحرية والعدالة والمساواة أن من صنع تلك الثورة هم الشباب ونسوا أنه لولا تلك "القوة النظيفة" في الشباب لما نجحت الثورات ولما انتقلت من بلد إلى آخر... فلماذا كان أول ما تمت التضحية به هو أحلام الشباب وإنكار وجودهم وعدم الاكتراث برأيهم؟! بعد عام من الثورات كانت نتيجتها أن رئيساً هرب ورئيساً سجن ورئيساً قتل ورئيساً طرد ورئيساً ينتظر مصيره… بعد هذا العام يقف الشباب سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن وحتى سوريا، متأملاً أمام ما تحقق وبتفكيره الفطري يرى أن أحلامه التي سرقت في العهود البائدة نتيجة الديكتاتورية والفساد، تسرق وتختطف من جديد في عهد الثورة وباسم الديمقراطية وتحت راية التعددية والأحزاب المتنافسة! الكل يتكلم عن الشباب ويشيد ويطلق عبارات الثناء والإعجاب بهم، والسياسيون لا يتركون مناسبة إلا ويعطون فيها الشباب جرعات من التأييد والتحفيز ويعطونهم الوعود بتحقيق الأحلام والآمال، لكن الشباب ما زال يشعر بأنه مهمش، وفي مصر مثلاً رفض شباب الثورة الاحتفال بالذكرى الأولى لانتصار ثورة 25 يناير، إذ لا يزال الشباب ينتظرون أن تحقق الثورة أحلامهم، ولا يزالون يعيشون الحلم الكبير بوطن يلبي طموحاتهم ويحقق أمنياتهم. بعد عام من الثورات العربية يتضح أن الثورة ليست هي الحل الوحيد للتغيير والإصلاح ويتضح أيضاً أن الثورة لا تصلح لكل الدول ولا يمكن أن تنجح في كل الدول العربية، كما يتضح أن الثورة من السهل اختطافها من الداخل كما يتضح أن الخارج لن يترك الثورة تسير والتغيير يتحقق على أرض الواقع إلا بالطريقة التي تخدم مصالحه أولاً ثم مصالح الثورة ومن فيها. بعد عام من سقوط أول رئيس عربي على يد الشعب في تونس أصبح من المنطقي أن يستوعب رؤساء آخرون الوضع الجديد وأن يكونوا قد حصلوا على الوقت الكافي كي يرتبوا أوراقهم وأن يرتبوا أوضاع بلدانهم ويكونوا أقرب لهموم مواطنيهم وأن لا ينخدعوا في من يعطيهم صورة غير واقعية عما يحدث حولهم، وبالتالي أصبح من المفترض أن لديهم القدرة على الإصلاح والتغيير وأن يكونوا أكثر قدرة على التعامل مع المرحلة الجديدة، فمرحلة ما بعد 2011 لا تشبه ما قبلها، كل قواعد اللعبة تغيرت فيها، فهل سيستمر البعض في التنكر للواقع؟ وهل سيستمر البعض في غض الطرف عن الأخطاء التي تحدث من حوله؟ لو كنت في هذا الوضع لكان أول ما فعلته تغيير المستشارين الذين من حولي، فكل مستشاري 2011 وما قبلها سأضعهم جانباً معززين مكرمين، وآتي بمستشارين جدد مختلفين يصلحون لعام 2012 وما بعده.