منذ شهور عدة ظل منافسو "ميت رومني" في الترشح لانتخابات الرئاسة ينعتونه بأنه "معتدل سري" وخصوصاً في الموضوعات الاجتماعية الحساسة مثل قضيتي الإجهاض وزواج الشواذ. ولذا فإن "ميت رومني ليس محافظاً" بحسب ما يردد إعلان تلفزيوني معتاد مدعوم من قبل مؤيدي المترشح "نيويت جينجريتش". ولكن هل هذا الاتهام صحيح؟ هل رومني حقاً أكثر ليبرالية مما يعتقد معظم ناخبي الحزب الجمهوري؟ لقد بحثت في تاريخ رومني، ووجدت أن حاكم ماساشوسيتس السابق، كان لديه سجل محافظ أكثر اتساقاً مما ينسب إليه. وفي رأيي، أنه لا يمكن اعتبار موقفه ليناً بشأن الموضوعات الاجتماعية الحساسة إلا في تلك الأجواء الساخنة التي تصحب عادة حملات الانتخابات التمهيدية للجمهوريين. لنأخذ على سبيل المثال موضوعاً مثل زواج المثليين. فنظراً إلى أن ولاية ماساشوسيتس قد سمحت للمثليين بالزواج والعيش معاً، عندما كان رومني حاكماً للولاية، فإن ذلك كان سبباً للنظر إليه من قبل كثيرين، على أنه يتخذ موقفاً ليناً نحو هذا الموضوع. ولكن هذا التحول (السماح بزواج المثليين) جاء بقرار محكمة وليس بموجب تشريع، وتشير كافة الروايات التي كانت متداولة في تلك الفترة التي كان فيها رومني حاكماً للولاية، إلى أنه قد فعل كل ما في وسعه للحيلولة دون صدور هذا الحكم من المحكمة. وعندما أخفق في مسعاه هاجم الحُكم وقال إنه "يتعارض مع ما كان سائداً خلال 3000 عام من التاريخ المدون". وعندما رشح نفسه في انتخابات مجلس الشيوخ أمام "تيد كنيدي" عام 1994، قال رومني إنه يؤيد"المساواة الكاملة للشواذ والسحاقيات"، وهو ما جعله يكسب أصوات الشواذ من الجمهوريين. ولكن عندما قال ذلك لم يمد تأييده ليشمل زواج المثليين أيضاً وإنما كان يريد لدعم القوانين التي تهدف للحيلولة دون ممارسة أي تمييز ضد الشواذ، سواء في التعيين أو في غير ذلك. والموضوع الوحيد الذي كان موقف رومني فيه تجاه الشواذ متردداً هو ذلك الخاص بما إذا كان ينبغي السماح لهم بالالتحاق بالخدمة في القوات المسلحة أم لا. فأثناء خوضه انتخابات مجلس الشيوخ في عام 1994 نفسه أثنى رومني على السياسة التي أقرها كلينتون، المعروفة بسياسة "لا تسأل ولا تخبر أحداً" المتعلقة بوضع الشواذ في الجيش، واستمر موقفه كذلك إلى أن بدأ القادة العسكريون يطالبون بتغيير تلك السياسة. وفي العام الماضي عارض رومني أيضاً قرار إدارة أوباما بإلغاء تلك السياسة على الأقل إلى ما بعد انتهاء الحرب في أفغانستان، وأضاف إلى معارضته في ذلك الحين تحفظاً، حيث قال إنه إذا ما انتخب رئيساً فلن يلغي هذه الخطوة من جانب الإدارة. وماذا عن موقفه من الإجهاض؟ هذا الموضوع أكثر تعقيداً إلى حد ما من ناحية وأكثر بساطة أيضاً من ناحية أخرى. فعند خوضه انتخابات مجلس الشيوخ عام 1994 وانتخابات حكام الولايات عام 2002 صاغ رومني نفسه في قالب المدافع القوي عن حقوق الإجهاض حيث أدلى بتصريح عام 2002 أثناء مناظرة بين المترشحين لحكام الولايات قال فيه: "سأعمل دائماً على حماية حق المرأة في الاختيار" (يقصد حقها في الاختيار بين الاحتفاظ بالجنين أم التخلص منه). ولكن رومني، عندما كان يستعد لخوض انتخابات الرئاسة في عام 2007 غير موقفه وقال أمام مجموعة من مناهضي الإجهاض "لقد كنت على خطأ وأعترف بخطئي هذا علناً". ولم يكن في ذلك ما يدعو للاستغراب. فالرجل في مرحلة مبكرة من حياته السياسية أيد حق المرأة في الإجهاض، وبعد ذلك وبعد أن تبينت له أمور جديدة، غير موقفه تجاه هذا الأمر وتمسك بالموقف الجديد منذ ذلك الحين. وهذا الموقف يختلف عن موقف مترشح آخر هو "نيويت جينجريتش" رئيس مجلس النواب السابق الذي قال ذات مرة إنه على رغم تاريخه الزوجي المضطرب إلا أنه يقدس القيم العائلية -وهو موقف متناقض بالطبع. والناخبون هنا هم أقدر الناس على الحكم على تغيير الموقف الذي اتخذه هذان السياسيان. ومن ضمن المفاتيح الأكثر دقة لفهم موقف رومني من الإجهاض في بداية عمله بالسياسة ذلك المتعلق بتربيته حيث كانت والدته من أشد المؤيدين لحق المرأة في الإجهاض. وهناك أيضاً المفتاح الخاص بكنيسة المورمون التي ينتمي إليها رومني، حيث إنها إن كانت تعارض الإجهاض إلا أنها لا تعارضه بنفس القوة التي تعارضه بها الكنيسة الكاثوليكية مثلًا أو حتى العديد من الطوائف الإنجيلية. وعلى ضوء ذلك هل يمكن القول إن رومني "معتدل سري"؟ لا… فحتى بالنسبة للإجهاض نجد أن موقفه ليس سريّاً، وإنما هو علني، ويتفق مع موقف المحافظين الاجتماعيين. والسؤال الأهم من ذلك هو: هل هذا الأمر يهم في الأساس؟ على رغم الصخب وانفلات الأعصاب الذي صاحب الحملة الانتخابية في ولاية كارولينا الجنوبية المحافظة، إلا أن النقاش حول المرشح الجمهوري كان هو الأكثر حماسة وخصوصاً بشأن الموضوعات الاجتماعية التي لا يرجح أن يكون لها تأثير سواء على ترشيح الحزب الجمهوري، أو على الانتخابات العامة في نوفمبر المقبل. ومع ذلك، يمكن لآراء رومني في القضايا الاجتماعية الحساسة أن تمثل مشكلة بالنسبة له في حملة الانتخابات العامة، وعلى وجه الخصوص في أوساط الناخبين المستقلين، الذين تبين من خلال استطلاع رأي أجرته مؤسسة "جالوب" العام الماضي أن 59 في المئة منهم مقتنعون بأن زواج الشواذ ينبغي الاعتراف به قانوناً، في حين لم تزد نسبة الجمهوريين الذين يقتنعون بذلك الرأي عن 28 في المئة (فيما بلغت نسبة الديمقراطيين 69 في المئة).