في مطلع القرن الحادي والعشرين قامت مجلة "تايم" الأميركية بحصر قائمة من الأفكار والتصورات التي اعتبرتها الأسوأ خلال القرن العشرين ومن بينها على سبيل المثال قانون حظر الكحول في أميركا بداية القرن العشرين وبناء سفينة تايتانيك التي انتهت بالكارثة المعروفة، وغيرها من الأفكار التي استفاضت المجلة في سردها وإظهار خطورتها، أو حتى غبائها في بعض الأحيان. ورغم أن الوقت ما زال مبكراً لحصر الأفكار السيئة التي طُرحت في القرن الحالي، فلا بأس من تخيل أسوأها في حال طُلب منا جرد قائمة على نحو ما قامت به مجلة "تايم"، لا سيما وأنه لن يطول بنا البحث في ظل ما نسمعه يومياً من أفكار ومقترحات تثير الاستهجان، وشخصياً أرشح الخطاب الذي ألقاه توماس "دونوهيو" بصفته رئيس غرفة التجارة الأميركية ليندرج في خانة أسوأ الأفكار على الإطلاق، فالرجل لم يكن فقط يتحدث إلى جمهوره، بل كان يلخص حالة الشركات الأميركية وآفاق الاستثمار، متحدثاً بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس غرفة التجارة الأميركية التي لا يبعد مقرها كثيراً عن البيت الأبيض في واشنطن، وبعد فترة كرر فيها "دونوهيو" ما دأب "الجمهوريون" في هذا البلد على ترديده مثل "الحد من القيود والضرائب العالية "في محاولة واضحة ومفهومة للدفاع عن رجال الأعمال والتجارة الذين يمثلونهم، انتقل بعد ذلك من عالم الشركات إلى قطاع الطاقة، وبدأ يتحدث عما أسماه بالمتغير الحقيقي الذي سيقلب الأمور رأساً على عقب في البلاد، وهو هنا لا يتكلم كما قد يتخيل البعض عن الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح أو غيرها من الطاقات الجديدة التي يسعى العالم إلى تطويرها، بل تحدث عن الفحم الحجري والغاز الطبيعي والنفط. وفي دفاعه عن مصادر الطاقة تلك وجرياً ضد التيار العام الذي يُجمع على أضرارها، دخل الرجل في تفاصيل مذهلة قائلاً "لدينا 1.4 تريليون برميل من النفط ما يكفينا لمئتي عام، ونمتلك أيضاً 2.7 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، أي ما يكفي لحرقه على مدى الـ120 عاماً المقبلة، ولدينا 486 مليار طن من الفحم الحجري الذي يلبي احتياجاتنا لأكثر من 450 سنة، وعلينا استخدام هذه المصادر الهائلة من الطاقة بحكمة وبطريقة نظيفة، بل ونبيعه أيضاً في الأسواق العالمية". والخلاصة أن رئيس غرفة التجارة الأميركية يقترح حرق كل ما تقع عليه أيادينا من وقود أحفوري دون تفكير في التداعيات والنتائج. لذا دعونا نتأمل قليلاً جزءاً من تلك النتائج أول من لجأت إليه لقراءة الأرقام الواردة في خطاب رئيس غرفة التجارة الأميركية المدون المتخصص في الشؤون المناخية، "براد جونسون"، حيث أكدت الحسابات التي أجراها بأن حرق كل تلك الكميات الكبيرة من الفحم والنفط والغاز التي ذكرها "دونوهيو" في خطابه- التي لا تمثل سوى الوقود الأحفوري الموجود في أميركا دون الإشارة إلى الكميات الأكبر في العالم- ستتسبب في انبعاث 1837 تريليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهنا تبدأ الكارثة الكبرى، فالعلماء أجمعوا بأنه لكي نمنع تجاوز درجة حرارة الأرض درجتين مئويتين، وهي وتيرة كارثية حسب الخبراء، على العالم بأسره ألا يتعدى 650 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أي ثلث ما اقترحته وصفة دونوهيو، ثم ذهبت للتحقق من هذه الأرقام إلى معهد جودارد للدراسات الفضائية التابع لوكالة ناسا لنصل إلى نتيجة مشابهة تقول إنه بحرق تلك الكميات المهولة من الغاز والنفط والفحم سترتفع نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو من نسبتها الحالية المقدر بنحو 392 إلى 650 جزءاً من المليون. والحقيقة أن أجواءنا مشبعة بما يكفي من غاز ثاني أكسيد الكربون، ولا تحتاج إلى المزيد، كما أن المحللين يشيرون إلى العام 2011 باعتباره الأسوأ من ناحية التغيرات المناخية المتطرفة التي شهدتها أميركا منذ بدء توثيقها، لذا فإن اقتراح رئيس غرفة التجارة الأميركية رفع نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو بأكثر من 50 في المئة يقترب من الجنون. وفي الوقت الذي تعقد فيه بلدان العالم مفاوضات عسيرة وطويلة لخفض نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى ما دون 450 جزءاً في المليون ومطالبة العلماء بخفض أكبر يصل إلى 350 جزءاً من المليون، فإن مقترحات دونوهيو التي ستتجاوز بموجبها نسبة التركيز 650 جزءاً من المليون من شأنها تحويل الأرض التي نشأت عليها الحضارة الإنسانية إلى كوكب آخر لا نعرفه، وبالطبع لم يكن رئيس غرفة التجارة يتحدث إلا عن الوقود الأحفوري في أميركا، فلو أضيف إليه ما تنتجه باقي الدول في مشارق الأرض ومغاربها لتضاعفت الأرقام ولدُمرت الأرض. وبعبارة أخرى، فإن ما اقترحه "دونوهيو" يستفز العقل والمنطق ويناقض أبسط قوانين الفيزياء والكيمياء، ولا أعتقد أنه يوجد من يوافق عليها سوى الأكثر تطرفاً في إنكار الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، وهو بالفعل موقف غرفة التجارة الأميركية التي راسلت وكالة حماية البيئة الأميركية قبل ثلاث سنوات تقول إن التغير المناخي حتى لو حدث ليس بالأمر الخطير، لأن الإنسان من وجهة نظرها قادر على التأقلم مع ارتفاع درجة الحرارة، لكن الأسوأ من ذلك كله هو الاحتفاء الذي استُقبل به الرجل ومنظمته في واشنطن، وهو أمر ليس بغريب إذا عرفنا أن غرفة التجارة هي أكبر ممول سياسي في الحملة الانتخابية الأخيرة متجاوزة الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" مجتمعين. ------- بيل ماكيبن كاتب أميركي متخصص في الشؤون البيئية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم سي تي إنترناشونال"