بانطلاق مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية في الربع الثاني من العام الجاري تكون دولة الإمارات قد حققت أحد أهم التوجهات الرامية إلى وضع الأسس اللازمة للتنمية المستدامة، وذلك إلى جانب أسس أخرى تم وضعها سابقاً تمثلت في مدينة مصدر لطاقة المستقبل. ويمثل المشروع الذي دشنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، انطلاقة قوية لإنتاج طاقة نظيفة ومستدامة لتساهم في تنويع ليس مصادر الطاقة فحسب، وإنما أيضاً في تنويع مصادر الدخل القومي في الدولة. وكما أشار سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم رئيس المجلس الأعلى للطاقة في دبي، فإن تكلفة هذا المشروع ستبلغ 12 مليار درهم، وهو ما يعني المساهمة في تلبية الطلب المتنامي على الطاقة في دبي وفي دولة الإمارات بشكل عام، وبالأخص الطلب السريع على الطاقة الكهربائية الذي يعتبر واحداً من أعلى معدلات ارتفاع الطلب في العالم. وإلى جانب ذلك أعلنت دبي مؤخراً عن إقامة أكبر منصة لطاقة الرياح في العالم، حيث ستكون لهذه التوجهات في مجال الطاقة انعكاسات اقتصادية وبيئية كبيرة، فمن جهة سيؤدي ذلك إلى تخفيض واردات دبي من الطاقة التي تعتبر مكلفة حاليّاً، وذلك إضافة إلى الاعتماد على مصادر طاقة دائمة ونظيفة وبأسعار منخفضة، حيث يتوقع أن تنخفض تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية بنسبة 67 في المئة خلال السنوات الثلاث القادمة، وذلك بعد أن دخلت الصين على مسار إنتاج الخلايا الشمسية بتكلفة منخفضة، مما أثار انزعاج الولايات المتحدة التي استثمرت مبالغ طائلة في إنتاج وتطوير الخلايا الشمسية. ومن جهة أخرى، فإن مثل هذا التوجه سيؤدي إلى تطوير العديد من المشاريع التنموية، مما سيعزز من مكانة الدولة في إنتاج مصادر الطاقة البديلة، وذلك إلى جانب كونها أحد أهم بلدان العالم المنتجة والمصدرة للنفط. ويبدو أنه من خلال هذه المشاريع ستتحول دولة الإمارات إلى مركز عالمي لطاقة المستقبل، وخصوصاً أن العالم يزداد اعتماداً على الطاقة المتجددة، حيث أشار الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" إلى أن "الطاقة تغير شكل الحياة، ولا يمكن حدوث تطور من دون الطاقة، والغرض الأساسي هو تزويد الجميع بالطاقة المستدامة، داعيّاً الجميع إلى العمل لإنجاز ما لا يمكن لجهة بمفردها أن تنجزه". أما فيما يتعلق بالتوجهات الإماراتية، فقد أوجزتها وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للتنمية بأبوظبي "ريبكا غرينسبان" قائلة: "أنتم تساهمون في ثورة الطاقة العالمية بمبادراتكم التي ستغير تفكيرنا في توليد الطاقة وتوزيعها واستهلاكها، من خلال كونكم تساعدون في خلق البيئة المؤسسية العالمية التي من شأنها تعزيز أشكال الطاقة المتجددة ونشرها بين بلدان العالم". ومن بين الأفضليات التي تتمتع بها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ملاءمتها للبيئة وعدم اعتمادها على مواد خام أولية، كما هو الحال مع مصادر الطاقة الرئيسية الأخرى، كالمصادر الهيدروكربونية أو الطاقة النووية. ونظراً لتمتع الدولة ودول مجلس التعاون الخليجي بأجواء مشمسة طوال العام، فإن الجهود في هذا المجال يمكن أن تتعدى تلبية الاحتياجات المحلية من مصادر الطاقة النظيفة لتمتد الاستثمارات في هذا المجال لإقامة مشاريع كبيرة لتصدير الطاقة الشمسية مع حلول 2030 وهو ما سيضيف الكثير للاقتصاد المحلي والاقتصادات الخليجية بشكل عام. ومثلما وجدنا تنسيقاً بين دول المجلس في شؤون الطاقة الأخرى، فإن مشروع محمد بن راشد للطاقة الشمسية يمكن أن يشكل أرضية قوية لمشروع خليجي ضخم، ليس لاستيراد التكنولوجيا الخاصة بها وإنتاجها فقط، وإنما لتوطين تقنية إنتاج هذه الطاقة والمساهمة في تخفيض تكاليف إنتاجها وتطويرها لتكون لدول المجلس حصة كبيرة في طاقة المستقبل، مثلما لها حصة كبيرة في إنتاج النفط والغاز في الوقت الحاضر.