الذكرى الأولى للثورة التونسية... والاستقطاب الفرنسي حول السياسة الخارجية توجهات اليسار واليمين الفرنسيين تجاه السياسة الخارجية، ومرور عام على الثورة التونسية، وخلفيات التصعيد الأخير في الخليج، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. سياسة فرنسا الخارجية دخل معظم الصحف الفرنسية الآن في أجواء التسخين السياسي مع بداية عام الانتخابات الرئاسية، وضمن الموضوعات المثارة سياسة فرنسا الخارجية ومواقف اليمين واليسار المتوقعة منها. وفي هذا السياق كتب باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس، مقالاً في صحيفة لوموند استشرف فيه توجهات السياسة الخارجية الفرنسية المقبلة في مرحلة ما بعد الاستحقاق الرئاسي. وفي البداية يوضح بونيفاس أن فرنسا قد عرفت طوال عهد الجمهورية الخامسة، منذ 1958 وحتى الآن، ظهور مدرستين أو اتجاهين كبيرين في السياسة الخارجية. الأول هو الاتجاه الديغولي- الميتراني، والثاني الاتجاه الأطلسي- الغربي. ويرى الاتجاه الأول أن على فرنسا أن تأخذ مسافة أمان واضحة من الحلفاء الغربيين في كافة توجهات سياستها الخارجية، باعتبارها دولة كبيرة وذات سيادة وصاحبة دور عالمي محوري. وأيضاً لأن لها علاقات وشراكات عالمية مع دول الجنوب، خاصة البازغة منها، يستحيل معها تعريف البلاد بأنها مجرد دولة غربية. أما الاتجاه الثاني فيعتبر أن فرنسا في النهاية دولة غربية، وطرف مهم في الحلف الأطلسي. غير أن بساطة هذا التصنيف لقناعات تياري الطبقة السياسية الفرنسية تجاه السياسة الخارجية تخفي وراءها تعقيد خطوط اصطفاف ساسة اليمين واليسار الفرنسيين ضمنها. فمع أن من التقليدي تصنيف ساركوزي ضمن المدرسة الأطلسية الغربية المصطفة بحماس حول واشنطن في السياسة الخارجية، إلا أن حزبه ويمينه الحاكم حافل هو أيضاً بساسة وقياديين مؤيدين للمدرسة الديغولية- الميترانية الرافضة لذلك الاصطفاف. ويعرف أيضاً عن زعيم الوسط فرانسوا بايرو توجهاته الديغولية في السياسة الخارجية. وذات الاستقطاب الداخلي حول السياسة الخارجية الذي يعاني منه اليمين يخترق أيضاً صفوف اليسار الفرنسي، ففي الحزب الاشتراكي يوجد كثير من القياديين المؤيدين للالتزام الغربي- الأطلسي في السياسة الخارجية، خاصة منذ خروج جوسبان من زعامة الحزب. أما اليسار الأكثر تطرفاً مثل الخضر والحزب الشيوعي فمعروف عنه مناهضته لكل ما له صلة بالالتزامات الأطلسية والغربية "الإمبريالية"، مع وجود تفاوت في هذه المناهضة في صفوف كلا الحزبين أيضاً. ويبقى السؤال أخيراً إن كان مرشح اليسار الاشتراكي فرانسوا هولاند سيتمكن من فرض رؤيته وإخراج الحزب الاشتراكي من غموضه الراهن غير البناء بشأن السياسة الخارجية التي ينوي تنفيذها في حال استلامه السلطة هذا العام، على نحو ما تؤشر إلى ذلك استطلاعات الرأي وترجحه حتى الآن. وفي سياق متصل بأجواء هذه الحملة المبكرة، السابقة لأوانها، شنت صحيفة لومانيتيه هجوماً لاذعاً على اليمين الحاكم ممثل في رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، على خلفية انتقادات حادة وجهها لما يوصف بمساعي تجديد اليسار الفرنسي. واعتبرت الصحيفة أن المنتظر من رئيس غرفة النواب يفترض أن يكون مختلفاً تماماً عن محاولاته شيطنة الممارسة الديمقراطية، والتنكر لحق الشعب في طي صفحة نظام وأغلبية حاكمة لم يرضيا تطلعاته في شيء. وحذرت الصحيفة الشيوعية زعيم ومرشح اليسار هولاند من الانسياق وراء الفخ المنصوب له الآن الرامي إلى جره نحو سجالات ومهاترات عقيمة لا تعبر سوى عن إفلاس اليمين، وتشنج موقفه اليوم، وهو يستشعر بداية سنة هزيمة انتخابية ماحقة، وشبه محققة. ذكرى الثورة التونسية الكاتب بيير روسلين اعتبر في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو أن حلول الذكرى الأولى لنجاح الثورة التونسية، التي أدت إلى موجة تحولات واسعة في العالم العربي، وصادفت يوم أمس 14 يناير، يأتي في أجواء ذات خصوصية استثنائية. فقد أجريت هنالك الانتخابات بطريقة حرة ونظامية. كما تسلمت مقاليد الأمور حكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع ومعبرة عن إرادة أصوات الناخبين. وسقط تماماً "جدار الخوف"، وأطلقت حرية التعبير من كافة القيود. كما أن القمع العنيف، والفساد العارم، اللذين كان نظام بن علي ينتهجهما، خرجا من الصورة. وبالنسبة لبلد عرف طوال فترة نصف قرن منذ استقلاله عهداً مديداً من الديكتاتورية، لاشك أن كل هذه المكاسب الملموسة والمهمة تدعو للغبطة والتفاؤل بأن ما ينتظر في الأفق قد يكون إيجابيّاً وبناءً ودافعاً للمضي على الطريق الصحيح. والحقيقة أن انتخابات 23 أكتوبر قد فاجأت المراقبين بحجم الفوز الذي حققه الإسلاميون، وهي ظاهرة تكررت أيضاً وربما زادت قوة، في حالة مصر كذلك. وبالنسبة لتونس أصبحت جماعة "النهضة" المعتدلة هي الحزب الحاكم الآن. ويستعد قادتها، الذين يتوزعون بين محافظين دينيين، وحداثيين أكثر براجماتية، لمجابهة استحقاقات وتحديات ممارسة الحكم التي أهلهم لها المكسب الانتخابي. وفي الظرف الراهن تواجه الجماعة المعتدلة الفائزة ضغوطاً من أقلية سلفية متشددة، ترفع سقف المزاد الآن في الشارع من خلال تبنيها لقضايا مثل الحق في ارتداء النقاب داخل الحرم الجامعي. ومع أن تونس لم تقع عمليّاً الآن في براثن حكم أصولي متشدد، وبغض النظر عما ستقرره الحكومة أو البرلمان بهذا الصدد، فإن ثمة خطراً قائماً وحقيقيّاً بأن تعمل العناصر الأكثر تشدداً لنشر توجهاتها لدى الشرائح التحتية من هرم المجتمع التونسي. وتضاف إلى هذا حالة الاقتصاد التي يزداد القلق بشأنها هي أيضاً. فالسياحة توقفت عن ضخ العملات الصعبة الضرورية في شرايين الاقتصاد. والخزائن العامة تستنفد، في حين أن الحركات الاجتماعية المطلبية تتكاثف. ومع مرور عام على نيل البلاد لحريتها، تجد نفسها اليوم على حافة الهاوية الاقتصادية. ومع هذا تتوافر تونس على طبقة وسطى ديناميكية، ذات مستوى تأهيل مرتفع. وما ينقص بشكل أكبر هو وجود مشروع سياسي يستطيع استبعاد الإيديولوجيا، وتعبئة الطاقات لإعادة قطار البلاد مجدداً إلى سكة التنمية والفاعلية الاقتصادية. التصعيد في الخليج تساءل الكاتب "برينو ترتريه" في مقال بصحيفة لوموند إن كان ثمة داعٍ الآن للقلق من نشوب أية مواجهة محتملة في الخليج العربي، بين الغرب وإيران، على خلفية التصعيد الأخير بين الطرفين. وفي البداية قال الكاتب إن الحالة الراهنة في الخليج لا تشي في الواقع بقرب نشوب أزمة كبيرة أو تلقائية. ومع ذلك يبقى حدوث تصعيد غير محسوب وخروج الأوضاع عن السيطرة أمراً وارداً على كل حال. والسبب المباشر للتصعيد الأخير هو العقوبات القوية من طرف واحد ضد إيران التي وضعتها الدول الغربية على الطاولة، بعد استحالة إيجاد توافق مع روسيا والصين لتصليب العقوبات الدولية، خاصة في ضوء ما فصله تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير في 11 نوفمبر الماضي، الذي وضع النقاط على الحروف بشأن أعمال "العسكرة" لبرنامج طهران النووي. وقد كانت فرنسا في مقدمة المبادرين حين اقترحت على حلفائها الغربيين في 21 نوفمبر تجميد موجودات البنك المركزي الإيراني، ومقاطعة نفط طهران. ومع نهاية العام خطت واشنطن أيضاً خطوة كبيرة على هذا الطريق. وهنا بدأت موجة التصعيد الراهنة التي انطلقت باقتحام ونهب سفارة المملكة المتحدة في 30 نوفمبر، وبلغت ذروتها مع التهديد بإغلاق مضيق هرمز أمام الملاحة في 27 ديسمبر، هذا زيادة على تكثيف استعراض العضلات العسكرية بإطلاق الصواريخ، وتوجيه الإنذارات للبحرية الأميركية بوتيرة أكثر خشونة من المعتاد في 3 يناير الجاري. وفي المجمل يعتقد الكاتب أن ضغوط العقوبات الخارجية، واستحقاقات التجاذب السياسي الداخلي بين تيارات النظام الإيراني المقبل على انتخابات تشريعية في 2 مارس القادم، يستعد فيها المحافظون والإصلاحيون لاستقطاب الاهتمام، كل هذا قد يعبن وضعه في الاعتبار، على جعل المواقف الإيرانية الأخيرة في متناول الفهم. إعداد: حسن ولد المختار