يرسم كتاب "الخروج من الرماد... بريطانيا بعد الاضطرابات" لمؤلفه "ديفيد لامي"، وهو عبارة عن مزيج من المقال السياسي والمذكرات، طريقاً لخروج بريطانيا من الكارثة التي طالتها بعد الاضطرابات المروعة التي ضربتها الصيف الفائت. ويقول المؤلف وهو عضو برلمان عن دائرة توتنهام في شمال لندن، إن ما يضاعف من جسامة المهمة التي يجب أن يضطلع بها القائمون على الأمور في بريطانيا من أجل ذلك، أن جميع المؤشرات تدل على أن البلاد تتأخر اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، مما سيؤثر بالتالي على فرص وإمكانيات العلاج. يبدأ المؤلف قصة تلك الاضطرابات من أولها فيقول إنه في الرابع من أغسطس 2011 أطلق ضباط شرطة الذين كانوا ينفذون "عملية ترايدنت" النار على مارك دوجان، وهو أحد سكان منطقة توتنهام فأردوه قتيلاً لتنطلق أعمال شغب واضطرابات لم تشهد لها بريطانيا مثيلا منذ ثلاثة عقود. وتبين أن تلك الوحدة من شرطة العاصمة التي كانت تنفذ تلك العملية قد قامت بها من دون إخطار الشرطة المحلية، وهو ما عرض للخطر سنوات طويلة من بناء العلاقات الطيبة بين ضباط الشرطة المحلية وبين سكان المنطقة. ويقول إن قلبه قد غاص بين ضلوعه عندما تم إبلاغه بما حدث. وقد ثبت أن القلق الذي شعر به كان في محله. فبعد يومين من وصوله اشتعلت المنطقة بأسرها، حيث بدأت القلاقل في حي معين ثم انتشرت إلى غيره من الأحياء داخل المنطقة قبل أن تمتد إلى 11 منطقة أخرى في لندن ثم إلى مدن أخرى. والذي ساعد لامي على التنبؤ ليس كونه نائباً عن المنطقة فحسب، بل إنه من الذين ولدوا فيها ويعرف أكثر من غيره المشكلات الاجتماعية المزمنة التي يعانيها سكانها. ويعود المؤلف بالقراء إلى اضطرابات مماثلة وقعت في نفس المنطقة عام 1985 وهي المعروفة برودووتر فارم، ولنفس الأسباب تقريباً، وهي انتشار الفقر والبطالة والأسر الممزقة، وقد شهدت أعمال قلاقل وشغب عنيفة، وتعرضت فيها الشرطة لهزيمة منكرة من جانب المتظاهرين. يقول المؤلف إنه بالإضافة للأسباب التي أدت عام 1985 لنشوب تلك الاضطرابات، فإن اضطرابات صيف 2011 نشأت لأسباب إضافية، مثل انهماك شباب المنطقة في أنماط سلوك عدمي منغمس في الملذات دون أن تتوافر لديه الإمكانيات التي تتيح له الانخراط في هكذا سلوك، وأن ذلك كان وراء حجم التدمير الهائل التي طال العديد من المنشآت والمؤسسات والمحال الراقية التي نهب الشباب بضائعها وأحرقوها، بل إن عبثيتهم قد ذهبت بهم إلى تدمير أجزاء من تاريخهم بسبب ما تتميز به من مظاهر الفخامة والبذخ. لذلك وصف رئيس الوزراء البريطاني (كامرون) ما قام به الشباب في تلك الاضطرابات بأنها إعمال إجرامية، وأن القائمين بها من اللصوص ويجب أن ينالوا العقاب الذي يستحقونه وأن ما حدث ليس مشكلة سياسية بقدر ماهو تعبير عن نزعات إجرامية عنيفة. ويرى المؤلف أن ما قاله رئيس الوزراء ليس سوى تعبير عن غضبه الشديد لما رآه يحدث وأنه لم يقترح حلاً، ولم يقل شيئاً عن أن الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون تكرار هذه الأعمال أي معالجة المشكلات الاجتماعية التي أدت إلى نشوبها، وهي مشكلات تقع تحت مسؤولية الحكومة في المقام الأول. ويقول إن رئيس الوزراء لم يتطرق إلى حقيقة أن سكان تلك المنطقة يعيشون في ظروف مزرية لا يمكن لأي أحد خارج بريطانيا أن يتوقع وجودها في دولة أوروبية كبرى، وهي ظروف لا يمكن أن تنتج سوى شخصيات مشوهة عنيفة ذات نزعات إجرامية. ويقول أيضا إن الفقر لا يعني عدم توافر النقود فقط، وإنما كذلك عدم توافر الفرص وعدم توافر الأمل، وأن ذلك كان من العوامل التي أشعلت الاضطرابات. ويشير لامي بإصبع الاتهام ليس لتاتشر وبلير، وإنما لبراون وكامرون أيضا، لأن ما حدث ليس سوى نتيجة لتراكم فشل سياسات وفشل مجتمع على مر السنين، مجتمع انشغل فيه كل فرد بنفسه، وانشغلت فيه كل جماعة بنفسها وتخلت عن نصيبها من المسؤولية عن شركائها في المجتمع، والذين كان لابد أن يأتي يوم ينفجروا فيه بعد أن وجدوا أنفسهم عاجزين ليس فقط عن التمتع بما يتمتع به الآخرون، وإنما أيضا عن توفير المقومات الأساسية لحياة الأدنى من الكرامة. سعيد كامل الكتاب: الخروج من الرماد... بريطانيا بعد الاضطرابات المؤلف: ديفيد لامي الناشر: جارديان بوكس تاريخ النشر: 2011