التعاطف والمساواة، صفتان يبدو أنهما لاتنسجمان في النقاش الدائر حالياً حول موضوع الهجرة غير الشرعية في الولايات المتحدة. أما التناقض بين هاتين الصفتين فيتبدى في مجال آخر هو مجال المنافسات الدائرة بين المرشحين الجمهوريين للفوز بترشيح حزبهم لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. الأميركيون حالياً مدعوون للتعاطف مع الشبان غير المسجلين في السجلات الرسمية أو الذين لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية، ويعتبرون بالتالي مخالفين تتوجب ملاحقتهم من قبل سلطات الهجرة، دون أن يكونوا مسؤولين عن الوضع الذي يجدون أنفسهم فيه، إذ وُلدوا لوالدين من المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة. وهؤلاء الشبان الذين يعتبرون مقيمين بصفة غير شرعية في أراضي الولايات المتحدة، هم أميركيون تماماً من الناحية الثقافية، لأنهم يعتنقون القيم والأعراف الثقافية الأميركية، ولم يعرفوا وطناً لهم غير أميركا، وبالتالي فالوضع يدعو إلى التعاطف معهم من قبل الأميركيين. لكن هذا "التعاطف" يخل بمبدأ "المساواة والعدالة" لأنه سيعني أن الأميركيين الذين لم يلتزم آباؤهم أو عائلاتهم بالقوانين المرعية سوف يحصلون على الجنسية -انطلاقاً من مبدأ التعاطف- مثلهم في ذلك مثل المهاجرين الآخرين الذين التزموا بالقواعد والقوانين، ووقفوا في الطوابير ينتظرون دورهم للحصول على الجنسية. ومن حسن الحظ أن فكرتي التعاطف والمساواة قد لا تتناقضان تناقضاً تاماً في جميع الأحوال، إذ يمكن للمرء أن يكون متعاطفاً مع الآخرين من ناحية، ويكون منصفاً لغيرهم من ناحية ثانية. فإدارة أوباما عملت في الآونة الأخيرة على إظهار التعاطف مع المهاجرين الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية، بينما طالب الجمهوريين في الكونجرس بالمساواة من خلال تطبيق القانون على الجميع. والحقيقة أن كلاً من الإدارة والكونجرس يمكن أن يظهرا مزيجاً من التعاطف والمساواة، من خلال إصدار فئة جديدة من "الجرين كارد" الذي يمنح الأفراد وضعية الإقامة الدائمة الشرعية بموجب نسخة من قانون "دريم" الذي بات غير معمول به الآن. إن حق البقاء في الولايات المتحدة بصفة قانونية، هو واحد من أعظم النعم التي يمكن الإنعام بها على شخص لا يحمل الجنسية الأميركية. والحقيقة أن مشاعر التعاطف والحس السليم تخول هذا البلد منح فئة خاصة من وضعية الإقامة الدائمة الشرعية لشخص ما تم إحضاره للولايات المتحدة بواسطة أشخاص آخرين في سن صغيرة جداً، ونما وترعرع في الولايات المتحدة وتشرب ثقافتها، واعتنق أعرافها وتقاليدها. مع ذلك ينبغي التأكيد هنا على أن هذا التعاطف يجب أن يكون له حدود معينة، وذلك من خلال النص مثلاً على أن هؤلاء الذين يحصلون على هذا الحق يجب أن يمنعوا من كفالة مهاجرين آخرين أو الحصول على وضعية المواطنة الأميركية الكاملة. وهناك أسباب وجيهة لمثل هذه التقييدات. فإذا ما اعتبر الشخص الذي يحصل على إقامة دائمة غير مسؤول عن وجوده في الولايات المتحدة بصفة غير شرعية، لأن والديه مهاجران غير شرعيين، فإن الأبوين يجب ألا يكونا قادرين في هذه الحالة على الحصول على فائدة نتيجة للسماح لابنهم -الذي سيمنح وضعية المهاجر- بكفالتهم، كي يصبحا هما أيضاً مقيمين شرعيين في الولايات المتحدة. وعلى نفس المنوال يجب على تعاطف أميركا وحسها السليم ألا يكون سبباً في جعل أطفال المهاجرين الذين يتم منحهم حق الإقامة القانونية في الولايات المتحدة، يشكلون مزيداً من الأعباء على الخزينة العامة والافتئات، وبالتالي على حقوق باقي المواطنين الأميركيين الفقراء الذين يمكن أن يفقدوا وظائفهم لمصلحة المهاجرين الذين يحصلون على حق الإقامة، لأنه قد تمت تسوية أوضاع أبنائهم، وتم منحهم حق المواطنة الأميركية. لذلك يجب على قانون "دريم" الجديد أن يشترط على أبناء المهاجرين غير الشرعيين الذين تتم تسوية أوضاعهم ومنحهم الجنسية الأميركية، أن يكون لهم إنجاز علمي ما، مثل الحصول كحد أدنى على شهادة تأهيل مهني أو الالتحاق بكلية جامعية. كما يمكن منح جزء من حصيلة النقود التي يتم تحصيلها من رسوم معاملات الحصول على إقامة، لبرامج تقدم منحاً دراسية وتدريباً مهنياً لأصحاب المهارات المحدودة وغير المتعلمين، سواء من المواطنين الأميركيين أو المقيمين القانونيين، للحصول على المؤهلات والقدرات التي تمكنهم من المنافسة في الاقتصاد العالمي. كذلك فإن واجب المساواة والإنصاف يستدعي التفرقة بين هؤلاء الذين حصلوا على حق الإقامة الشرعية في الولايات المتحدة من خلال امتلاكهم "جرين كارد"، ومن ثم استكملوا الإجراءات اللازمة للحصول على الجنسية والمواطنة، وبين هؤلاء الذين حصلوا على الجنسية عن طريق تسوية حالاتهم لأسباب إنسانية، مثل أبناء المهاجرين غير الشرعيين، وذلك من خلال منح من التزموا بالقانون والطرق الشرعية مزايا لا تتوافر للفئة الثانية، مثل حق الانتخاب والتصويت والتأثير، وبالتالي في المسار الذي تتخذه الحكومة والإدارة في الولايات المتحدة. وفي بعض الحالات يستغرق الانتظار من أجل الحصول على الجنسية الأميركية 20 عاماً. ومن خلال منع الأطفال الذين تم إدخالهم الولايات المتحدة بشكل غير شرعي، من اكتساب المواطنة الكاملة، فإن الكونجرس والرئيس معاً يؤكدون لهؤلاء الذين حاولوا الهجرة من خلال القنوات الشرعية أن هناك منافع سوف يتمتعون بها لالتزامهم بالقانون والشرعية، تشمل بالإضافة لحق التصويت والانتخاب، كفالةَ آخرين من ذويهم للهجرة إلى الولايات المتحدة المتحدة. مايك ليبالا المساعد السابق لكبير المستشارين القانونيين لإدارة الهجرة والجنسية الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"