تراجع ديمقراطي في المجر... وتحذير لتحالف "ميركوزي" التراجع عن الديمقراطية في المجر، وتحالف ميركيل ـ ساركوزي ـ والاستراتيجية العسكرية الأميركية الجديدة، وما الذي يجب على أوروبا عمله من أجل التكيف مع تداعياتها، موضوعات نسلط عليها الضوء ضمن هذا العرض الأسبوعي للصحف البريطانية. انتكاسة ديمقراطية بدأت "الإندبندنت" افتتاحيتها يوم السبت الماضي تحت عنوان:"المجر تتراجع عن الديمقراطية" بالإشارة إلى أن المجر، هذه الدولة الصغيرة الواقعة في وسط أوروبا، قد تمكنت عبر تاريخها من تحقيق إنجازات علمية وفنية عبقرية جعلت كثيرين ينظرون إليها بإعجاب، إلا أن قادتها الحاليين، قد جعلوا منها مصدراً لخيبة الأمل في قلب القارة الأوروبية، بسبب حزمة التشريعات التي قدمها رئيس وزرائها "فيكتور أوربان" في الآونة الأخيرة تحت ذريعة استكمال خطوات الثورة التي قامت ضد الاشتراكية عام 1989. فـ"أوربان" الذي كان من أبطال تلك الثورة لايزال يتمتع بشعبية، وبأغلبية الثلثين في البرلمان وعلى ما يبدو أن ذلك قد أغراه، بدلاً من أن يمضي قدماً في تعزيز الديمقراطية في البلاد أن يفرض عليها مزيداً من القيود، كي تتحول إلى ديمقراطية مكبلة مثل ديمقراطية بوتين، الذي يدعي "أوربان" أنه عدوه اللدود. وقد تمثل تراجع "أوربان" عن الديمقراطية في تقليص استقلال القضاء، والبنك المركزي، ووسائل الإعلام، وإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية كي تكون في مصلحة حزبه، وتثبيت أنصاره في وظائف حكومية لمدد تقترب من العقد. وتنهي الصحيفة افتتاحيتها بالقول إن "أوربان" يدشن في بلاده، بهذه الإجراءات المتعسفة، عهداً جديداً من الحكم السلطوي بحجة أن الاشتراكيين الذين تم خلعهم من السلطة عام 2008 كانوا قد أوصلوا البلد لحافة الإفلاس. وتمضي الصحيفة للقول إنه حتى لو كان ذلك هو التشخيص الصحيح للمرض إلا أن العلاج الذي يحاول" أوربان" استخدامه لا يجعل بلاده أقرب للشفاء، بل إنه يقربها من حافة الإفلاس أكثر. وفي رأيها أن هذه الإجراءات الدالة على الثقة الزائدة بالنفس التي تكاد تصل الى حد الغطرسة التي يقوم بها زعيم دولة صغيرة، لا تملك منفذاً بحرياً، حتى لو كانت أمة عظيمة، يمكن أن يراها البعض كإجراءات مضحكة بقدر ما هي شديدة الخطورة كذلك. بؤرة التركيز رأت "الديلي تلجراف" في افتتاحيتها المنشورة يوم السبت الماضي والمعنونة بـ" المعركة من أجل الباسيفيك سوف تعيد صياغة العالم" أن وثيقة المراجعة الدفاعية التي قدمها أوباما من غرفة إيجاز البنتاجون ـ التي تقول الصحيفة إنها نادراً ما تشهد حضور قادة القوات فإذا بها في ذلك اليوم تشهد حضور الرئيس وإلى جانبه وزير الدفاع ـ هي الوثيقة التي سيتذكرها التاريخ باعتبار أنها كانت تدشيناً لتحول بؤرة اهتمام الاستراتيجية الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة بعيداً عن أوروبا واقترابها من الباسيفيكي. وترى الصحيفة أن التاريخ سيتذكر هذه الاستراتيجية باعتبار أنها دشنت سباق تسلح جديد. وأشارت الصحيفة إلى أن أبرز ما تضمنته وثيقة المراجعة المذكورة أن الولايات المتحدة ستظل القوة العسكرية المهيمنة في العالم من دون منافس في المستقبل المنظور على أقل تقدير، وأن ميزانيتها العسكرية على الرغم من التخطيط لتخفيض ما يقرب من 500 مليار دولار منها خلال السنوات العشر القادمة، ستظل على الرغم من ذلك أكبر من إجمالي الميزانيات الدفاعية للدول العشر التالية للولايات المتحدة في ترتيب القوة العسكرية وعلى رأسها الصين وروسيا بالطبع. وهذا التقليص الكبير لا يعني أن أميركا ستقلص قوتها وتواجدها في العالم، وإنما يعني أنها تعيد تركيز الاهتمام على تحديات استراتيجية كبيرة للقرن المقبل وهي تحديات تختلف اختلافاً بيناً عن التحديات الموجودة في الوقت الراهن، ومنها على سبيل المثال التحدي الخاص بتحقيق الهيمنة في القارة الآسيوية التي تعد موطناً للقوى والدول الأسرع نمواً في العالم في الوقت الراهن ولبعض من الدول الأكثر سكاناً في العالم مثل الصين والهند، وأن الولايات المتحدة لهذا السبب ستعمل على تخفيض تواجدها العسكري في أوروبا وتبدأ في حشدها تدريجياً في الباسيفيكي وفي قواعد في أستراليا وغيرها من الدول القريبة، مما يتيح لها حرية الحركة التي تمكنها من التحكم في المضائق الموجودة في هذه المنطقة، كما يمكنها من تحقيق هدف يعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لها وهي احتواء إيران وضمان حرية الملاحة في مضيق هرمز ـ كما تقول الصحيفة. *تحالف عقيم" "فكروا مرة ثانية ياميركوزي" لأول وهلة قد يعتقد من يقرأ هذا العنوان ـ الذي جعلته "الديلي تلجراف" عنواناً لافتتاحيتها يوم الاثنين الماضي ـ أن هناك خطأ ما، ولكن لا يوجد ثمة خطأ وإن "ميركوزي" هي عبارة عن دمج لحروف من اسمي المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الفرنسي ساركوزي، اللذين باتا يشكلان حلفاً في الوقت الراهن. تقول الصحيفة إن الزعيمين كثيراً ما تتم مشاهدتهما وهما يعقدان مؤتمراً مشتركاً، ويتبادلان عبارات المجاملة، وهو منظر تقول الصحيفة إنه إن لم يكن يؤدي إلى توليد مشاعر الاحتقار للاثنين، فإنه لا شك يولد مشاعر الإحباط الشديد. فالقمم شبه المستمرة التي يعقدانها تعطى الانطباع بأنهما لا بد أن يكون قد بحثا فيها ما تتعرض له منطقة" اليورو" من مشكلات، واتخذا الحلول والخطوات الضرورية لحلها، وهو ما لا يبدو أنه يحدث، بدليل أن أزمة الدول الأعضاء في منطقة "اليورو" والواقعة في جنوب أوروبا قد ظلت كما هي، حيث تعاني تلك الدول معاناة شديدة من أسعار صرف "اليورو"، ولن تتمكن بضاعتها وصناعتها بالتالي أن تكون تنافسية وعلى وجه الخصوص مع ألمانيا وفرنسا. فبدلاً من معالجة تلك المشكلة على سبيل المثال خلال القمة الأخيرة، اكتفى تحالف "ميركوزي" بمحاولة تمرير ضريبة جديدة على المعاملات المالية كعقاب ـ كما يقولا ـ على التصرفات غير المسؤولة للمضاربين غير المنظمين الذين يلقي عليهم التحالف باللائمة باعتبارهم السبب في كافة المصائب التي تعاني منها منطقة اليورو. بيد أن هذه الخطوة مقصود بها في المقام الأول أرضاء الناخبين في ألمانيا وفرنسا قبل الانتخابات المقبلة، أما من الناحية الاقتصادية البحتة فهي عديمة القيمة لأنها ستدمر الصناعة المالية في أوروبا وستوجه لها ضربة قاصمة، ولن تحقق سوى عوائد محدودة، لن يكون لها قيمة تذكر في إنقاذ منطقة "اليورو" مما يكتنفها من مشكلات. *اهتمام واجب وفي افتتاحيتها يوم الأحد الماضي التي اختارت لها عنوان " أوروبا يجب أن تهتم بالتحول في تركيز أميركا الدفاعي" والتي تتناول نفس الموضوع السابق وإن من زاوية نظر أخرى، رأت "الفاينانشال تايمز" أن إعلان أوباما أن الاستراتيجية الأميركية العسكرية الجديدة تعتمد على قوات عسكرية أقل عدداً وأخف وزناً، يمثل لحظة فارقة وبالغة الأهمية في صنع السياسات الأميركية، ستكون لها تداعيات بعيدة المدى على وضع أميركا في هذا العالم في القرن الجديد وبعد أن تناولت الافتتاحية تفاصيل تلك الاستراتيجية الجديدة التي كان أبرز ما فيها تحويل بؤرة التركيز العسكري الأميركي من القارة الأوروبية ـ وهو الوضع الذي ظل سائداًَ في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وطيلة الحرب الباردة وحتى لحظة إعلان الاستراتيجية الجديدة ـ إلى المحيط الباسيفيكي والقارة الآسيوية. ترى الصحيفة أن الدول الأوروبية يجب أن تمنح هذا التحول الاستراتيجي الكبير ما يستحقه من اهتمام، وألا تجعل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها ـ وعلى وجه الخصوص أزمة اليورو ـ تؤثر على خطط التعاون الدفاعي بينهما وبالذات بين الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا، وأن التحدي الكبير أمام القارة سوف يكون مؤتمر الناتو القادم الذي كان أمينه العام" اندرز فوج" قد أعلن من قبل أن التحدي المطروح أمام أوروبا في الوقت الراهن هو أن تمتلك قوات عسكرية أكثر ذكاء، وأن تعمل على توحيد إمكانياتها ومعداتها، حتى تتمكن من تحقيق أكبر قدر من الفعالية العملياتية وتخلص إلى أن استراتيجية أوباما تجعل من مواجهة هذا التحدي ضرورة عاجلة، وإن كان ليس هناك حتى الآن ما يدل على الدول الأوروبية، تبدي الاهتمام الواجب بهذا الأمر. إعداد: سعيد كامل