من أخبث النظريات الإسرائيلية التي أطلقت في اليوم الأخير من العام الفائت تلك التي جاءت على لسان الإرهابي أفيجدور ليبرمان وزير خارجية الدولة العبرية. قال: "إن المطلوب في السنوات المقبلة هو إدارة حياة الفلسطينيين بشكل طبيعي وتحسين وضعهم الاقتصادي. وفي نهاية الأمر التوصل إلى اتفاق يقوم على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، لكن، ليس قبل أن يصبح الدخل السنوي للفرد الفلسطيني 15 ألف دولار بينما هو اليوم ثلاثة آلاف دولار فقط". وأضاف: في حال تعززت مكانة الطبقة الوسطى في أوساط الفلسطينيين، فإن التوصل إلى حل للصراع سيكون ممكناً! في الكلام تأكيد واضح على أن أقصى ما يمكن تحقيقه اليوم هو إدارة لحياة الفلسطينيين... مَن يدير هذه الحياة؟ كيف تكون هذه الإدارة؟ ما علاقة هذه الإدارة بالسلطة الوطنية الفلسطينية؟ ما علاقتها بمشروع الدولة الفلسطينية؟ ما علاقتها بحقوق الفلسطينيين؟ حقوقهم في الأرض والسكن والتعليم والعمل؟ الواضح أن الإدارة ستكون عملياً إسرائيلية. ليست إدارة فلسطينية. لأنه لا إقرار في مفهوم "ليبرمان" وسياسته بحق الفلسطينيين على أرضهم. ولا أمل لهم بدولة. فإذا كان المطلوب إدارة لشؤون حياتهم وتحسين وضعهم الاجتماعي، فإن هذا يتناقض مع سياسة القتل الجماعي والتهجير الجماعي وجرف المنازل والأراضي ومصادرتها لبناء مجمعات سكنية لإسرائيليين، ومع سياسة الاعتقال والفصل العنصري والتجويع والتعطيش، ومصادرة أموال السلطة الفلسطينية، واتخاذ كل الإجراءات من جانب واحد الكفيلة بإذلال الفلسطيني وطرده من أرضه وتأكيد يهودية الدولة الاسرائيلية. وآخر الخطوات في هذا المجال طرح قانون في الكنيست الإسرائيلي يؤكد يهودية القدس. أي اعتبار القدس كل القدس عاصمة للدولة اليهودية! في ظل هذه الممارسات كيف ستتحسن أوضاع الفلسطينيين، ليبدأ بعدها "ليبرمان" حسب رؤيته التفاوض معهم. ثم لا بد من الانتظار حتى وصول الدخل السنوي الفردي للفلسطيني 15 ألف دولار. وهذا يتطلب أجيالاً على هذا المنوال. مما يعني بوضوح أن لا أفق لدولة فلسطينية ولحق فلسطيني على الأرض الفلسطينية. إنهم يحاولون إلغاء الفلسطينيين كل الفلسطينيين ولا يميزون بين فقير وغني. ولا يصدق أحد هذه البدعة من "ليبرمان"، التي تتحدث عن ضرورة نشوء طبقة وسطى في أوساط الشعب الفلسطيني. ليس ثمة طبقات في مفهومهم. الشعب الفلسطيني كله، كشعب غير مقبول وجوده على هذه الأرض. هي ليست أرضه ولا حقوق له عليها. هذا ليس استنتاجاً فقط بل تؤكده الوقائع والممارسات، التي نراها واقعاً على الأرض من قبل الإرهابيين الإسرائيليين ضد الشعب الفلسطيني. في سياق النظرية ذاتها، التي نتناولها اليوم قال ليبرمان: "لا بد من التبادل السكاني. والفكرة لا تعني اقتلاع أحد من بيته ولا ترحيل أحد! بل نقل التجمعات السكانية العربية إلى السيادة الفلسطينية مقابل ضم إسرائيل الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة إليها! وأضاف: "إن هذا يعني تقليل ثلث العرب الذين يعيشون بيننا"! موضوع العرب في إسرائيل يجب أن يطرح على الطاولة وينبغي التطرق بشكل واضح وحاد لمصيرهم في أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين...". وأكد: "في أرض إسرائيل يوجد للعرب كل الحقوق. لكن لا حقوق لهم على أرض إسرائيل. لنا كل الحقوق على دولة إسرائيل"! إنها الرسالة الواضحة والهدف الواضح. " أرض إسرائيل للإسرائيليين. لا بد من إخراج العرب بكتلهم الكبيرة منها. وضم الكتل اليهودية الأخرى إلى دولتنا"... كذلك فإن العمل جارٍ على قدم وساق لتغيير كل معالم الضفة الغربية بعد القرارات التي اتخذت وتنفذ عملياً على الأرض، والتي بموجبها يتم تقسيم الضفة وإقامة مجمعات سكنية يهودية على جزء من أرضها بعد تقطيع أوصالها. يعني من الآن، وإلى أن يصبح دخل الفرد الفلسطيني 15 ألف دولار، وتكون عملية "التبادل" في السكان والأراضي قد حصلت، تكون إسرائيل قد حصلت على كل ما تريد، وتخلصت من كل من وما تريد التخلص منه، ولا يبقى للفلسطيني شيء. آخذين بعين الاعتبار أيضاً ما يحيط بالفلسطينيين من تحديات وما يجري حولهم وخصوصاً في مصر، وبشكل أخص في الأردن، حيث لا تزال فكرة الوطن البديل تراود كثيرين والأطماع بالأرض الأردنية قائمة! وفي سياق التعليق على الحملة الاعتراضية التي قام بها بعض الفلسطينيين ضد عملية التوسع الإسرائيلي في القدس وإقامة "مشروعين سياحيين"، كما ادعوا في منطقة "سلوان" ستؤدي إلى تهويدها. وهما مشروعان يهوّدان ويبددان التاريخ العربي والإسلامي لهذه المنطقة. ويدعي الإسرائيليون أنهم يريدون بناء معالم أثرية مهمة. في هذا السياق اعترف نائب رئيس بلدية القدس "يوسف بابا الألو" بأن الخطة تعتبر "غزواً من جانب جمعية العاد لحي سلوان". وقال: "إن الهدف هو المسّ بالتسويات المتفق عليها في شرقي القدس. واضح أن منطقة توجد فيها أغلبية يهودية ستبقى في أيدينا. ومنطقة فيها أغلبية عربية مثل سلوان ستبقى في أيدي الدولة الفلسطينية التي ستقوم. جمعية العاد ومحافل أخرى تحاول تحطيم هذه المسلمات وإبقاء النزاع"! أما رئيس الكنيست "رؤوبين ريفلين"، فقال في السياق ذاته: "إن حلّ الدولتين ليس حيوياً لمستقبلنا... واعتراف الآخرين بحقنا على هذه الأرض هو ما يوفر الأمن للدولة"! إنه بذلك يلاقي "ليبرمان"، الذي يؤكد ألا حق للفلسطينيين على أرضهم، إنما لديهم حقوق في دولة اسرائيل وعلى أرضها. وهذا مفهوم جديد لتهويد الأرض وتأكيد يهودية الدولة الإسرائيلية. وفي هذا المعنى، لا أمل بالوصول إلى اتفاق بل تأكيد أن الصراع سيبقى مفتوحاً، وأن العام الحالي سيشهد المزيد من الممارسات الإرهابية والتوسعية من قبل الإسرائيليين ضد الفلسيطينيين وحقوقهم. يكفي ذلك للاستمرار في التأكيد على أهمية وحدة الموقف الفلسطيني لمواجهة هذا المشروع الخطير. وما سمعناه في الأيام الأخيرة من قبل "أبومازن"، وقادة حركة "حماس" يعطي اطمئناناً لناحية الحرص على المصالحة وتأكيدها واتخاذ الخطوات التي تعزز منعة الفلسطيني، وهذا ما يجب أن تتكرس له كل الإمكانيات وأن يتقدم على كل الأولويات! غازي العريضي وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني