تتمتع دول الخليج العربية بوضع اقتصادي استثنائي مقارنة بالعديد من الاقتصادات الأخرى على مستوى العالم، حيث إن دول المنطقة استطاعت على مدار السنوات الماضية أن تتغلّب على تداعيات "الأزمة المالية العالمية" السلبية، خاصة تلك التداعيات التي شهدها عام 2009 أسوأ مراحل الأزمة، وقد حمل ذلك العام مظهراً سلبيّاً أكثر وطأة بالنسبة إلى اقتصادات دول المنطقة، عندما شهد تراجعاً استثنائياً في أسعار النفط العالميّة، التي تراجعت من أعلى مستوًى لها على الإطلاق، الذي سجلته قبل اندلاع "الأزمة المالية" البالغ نحو 147 دولاراً للبرميل إلى نحو 32 دولاراً للبرميل خلال الربع الأول من ذلك العام، وقد أدّى هذا التراجع الكبير بدوره إلى تراجع استثنائي في حجم الإيرادات النفطية للدول المصدّرة للنفط، بما فيها دول الخليج العربية، وإن كان هذا التراجع أكثر وطأة على دول المنطقة، حيث تعدّ الإيرادات النفطية هي المكوّن الرئيسي لإيرادات التصدير لديها، كما أنها تمثل مصدراً محورياً من مصادر الدخل القومي لمجمل اقتصادات المنطقة. لكن الأداء الاقتصادي المستقر، وحجم السيولة النقديّة المتوافرة لدى دول منطقة الخليج العربية، مكّناها من تخطي هذا التحدي الصّعب من دون خسائر كبيرة، وإن كانت هذه الدول قد تعرّضت لبعض التراجع في أحجام الأعمال في أنشطتها الاقتصادية، خاصة التابعة للقطاع الخاص، إلا أن إصرار الحكومات على المحافظة على ارتفاع مستويات الإنفاق العام ساعد الاقتصادات الوطنيّة على المضيّ قدماً على طريق النمو، ومكنه من الخروج من أسوأ مراحل الأزمة في فترة وجيزة، وتعدّ تجربة دولة الإمارات من أكثر التجارب الخليجيّة العربية نجاحاً في هذا الشأن، كما أن تجربتها تكتسب المزيد من التميز، نظراً إلى تعرّض بعض مؤسساتها المالية والاقتصادية في بداية الأزمة لبعض التعثر المالي المباشر، أو الانكشاف على بعض المؤسسات المالية المتعثرة، ولكن السياسات التي اتبعتها الحكومة عبر "المصرف المركزي" مكّنت الاقتصاد الوطني من محاصرة هذه المظاهر السلبية للأزمة، عبر تنفيذ العديد من المبادرات التحفيزيّة للاقتصاد، ووضع كميات كبيرة من السيولة تحت طلب المؤسسات المالية والمصرفية وفقاً لشروط ميسّرة، هذا بالإضافة إلى ضمان ودائع العملاء لدى المؤسسات المصرفية. استطاع الاقتصاد من خلال هذا الأداء الجيد، ومن خلال الإجراءات التي اتّبعتها الدولة، أن يتخطّى المرحلة الأسوأ من "الأزمة المالية" في عام 2009، وأن ينطلق نحو النمو الإيجابي بمعدلات مضاعفة بدايةً من عام 2010، وواصل هذا الأداء خلال عام 2011، في الوقت الذي حافظ فيه على الجدارة الائتمانيّة المرتفعة نفسها أيضاً، بل اكتسب المزيد من النقاط الإيجابيّة في هذا الشأن، وفي هذا الصدد فقد أكّد "صندوق النقد الدولي" مؤخراً أن الاقتصاد الوطني يتمتّع بحالة صحية جيدة، ووضع مالي قوي، وأنه ما زال يحتفظ بمستوًى آمن من السيولة والجدارة الائتمانيّة المطمئنة، وبالإضافة إلى ذلك فقد وجد "الصندوق" أن تدفّقات رؤوس الأموال الأجنبية على اقتصاد الإمارات تمثل بدورها قناة من قنوات دعم السيولة، وتحسين الوضع المالي الآمن للدولة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه التدفقات تعدّ مؤشراً إلى أن الاقتصاد الوطني يتمتع في الوقت الحالي بوضع مستقرّ يضعه في مراتب الملاذات الاستثمارية الآمنة على مستوى العالم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.