عام 2011 كان استثنائياً بكل المقاييس، فهو عام الرحيل الذي تختلف تسمياته، كما تختلف التوقعات لما آت بعده، لكنه كان عاماً له مذاقه الخاص، وبكل تأكيد لن تنتهي تداعياته، فهو عام رسم ملامح مرحلة جديدة، ليس في البلاد العربية فحسب وإنما في العالم كله حيث الحركات الشبابية هي السمة المشتركة التي انتفضت وحركت المياه الراكدة. إنها ظاهرة عالمية تؤكد وجود ثقافة عالمية لشباب يبحث عن موقعه في عالم مضطرب تتبلور فيه طبيعة الصراع الاجتماعي الذي ينبغي فهم أبعاده. وبينما تتوحد قوة المال والسلطة في كل بقاع العالم ضد الشباب الذي يشعر بوجع الضياع وفقدانه لوجوده المحسوس، فإن هؤلاء الذين انتفضوا في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، إنما سعوا للتعبير عن سخطهم من تردي أوضاعهم، فأدت انتفاضتهم إلى سقوط أنظمة عاتية سحقت كرامة الإنسان وتفننت في الفساد والاستبداد. الظاهرة الشبابية معقدة وقد غيرت الكثير من المفاهيم، ولا نعتقد أنها ستنتهي بانتهاء عام 2011، بقدر ما نتوقع صعود موجات أخرى من التغيير، حيث لم يعد يمكن للاستبداد أن يستمر. لذلك فإنه على كثير من الحكومات أن تدرك أن وضعها مرهون بتفهمها لضرورة التغير لكي تتجنب الرحيل الذي أصاب بعض أنظمة الاستبداد الأخرى. البعض يتخوف من وصول الحركات الإسلامية إلى صدارة الحكم، وهو تخوف له ما يبرره، لكن مجرى التاريخ لن يعيد الاستبداد، حتى ولو حكم الإسلام السياسي، لأن حركاته تحاول أن تغير من فهمها لطبيعة الحراك السياسي، وهي تدرك أن مقولة "الإسلام هو الحل" لم تعد شعاراً براقاً، حيث إن العالم يتغير بسرعة هائلة، مما يتطلب التمييز بين التسطيح والتهميش للعقل البشري وبين احترام العقل وكرامة الإنسان. هناك إذن تحولات تاريخية عالمية تفرض على علماء الشريعة فهم أبعاد التغير في كيفية طرح مفاهيمنا الإسلامية باعتبارها هوية حضارية وليس فقط واجبات دينية. الدعوة التي نتبناها، وخلاصتها أن الإسلام هو دين وهوية وثقافة، تعبر عن حضارة أمة متعددة الأجناس والثقافات، تركت بصماتها التاريخية، ولا مجال لنا سوى التفاعل مع الثقافات المختلفة والدفع نحو تطوير مقدراتنا البشرية وإعادة بناء مجتمعاتنا وفق مفاهيم مرنة تمكننا من تلمس وجودنا الإنساني كأمة تملك الكثير لكي تقدمه لعالم يعمه الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي. فتركيا الحالية مثلاً تجسد أحد النماذج، وإن لم تكن المثال الوحيد الذي استطاع تقديم النموذج الإسلامي للدولة، مما يفرض على الدول الإسلامية استيعاب التجربة التركية في فهمها للإسلام. وما قاله أردوغان حول عدم تعارض الإسلام مع الدولة المدنية، هو قول له وقعه وقوته، ويدفعنا في الجزيرة العربية لإعادة صياغة الكثير من المفاهيم الدينية التي كتب لها الانتشار في مرحلة تاريخية كانت محكومة بظروف محددة. وتأتي الضرورة لتغير من هذا الفهم التقليدي والدفع بالتحديث كضرورة ملحة لا مفر من مواجهتها. الحراك الاجتماعي والسياسي يفرض من خلال قوة شبابية ناشطة تأثرت بالحراك العالمي وبثورة المعلومات التي أثرت وما زالت تؤثر في حياتنا وسوف تأخذنا لما هو أبعد. فالثورة المعلوماتية التي غيرت من عقل وسلوك الإنسان لن تتوقف، ومن الحكمة أن نعي طبيعة التغير وقوته، كي لا نخرج من التاريخ.