الحراك الثقافي الذي شهدته الدولة من منتصف الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات تقريباً، لعبت الصحف دور البطولة في إثرائه وإبرازه، وحوّلته إلى حدث ومادة خصبة للحوار والنقاش عند مختلف أفراد المجتمع. فلولا الأدوار التي قامت بها الصفحات الثقافية، وفي الجرائد الثلاث الرئيسية، لم تكن ساحتنا الثقافية لتصبح على ما هي عليه اليوم من غنى معرفي وتنوع فكري. كنتَ في كل يوم تقريباً تجد صفحة ثقافية 90 في المئة من محتواها يتحدث عن المشهد الثقافي الإماراتي، وأشير هنا تحديداً إلى الصفحة الثقافية التي كانت تصدر في جريدة "البيان"، والتي كان يشرف عليها الشاعر عارف الخاجة، حيث تجد الحوار والتحقيق والأديب أو الأكاديمي الإماراتي الذي يكتب مقالاً، ثم يرد عليه ناقد أو عدد من النقاد في اليوم التالي، ويستمر النقاش ساخناً، وخلال ذلك تقرأ وجهات نظر مختلفة، هدفها النقد ومصلحة العمل الثقافي. وهكذا الحال في الصفحة والملحق الثقافيين اللذين كانت تصدرهما جريدة "الخليج"، والذين كان فريق العمل فيهما يضم كلاً من الدكتور يوسف عايدابي، وسلمى مطر سيف، وأحمد راشد ثاني، ومحمد حسن الحربي. وكذلك حال الصفحة الثقافية في جريدة "الاتحاد"، والتي كانت تضم كذلك علي أبو الريش، وعبد الحميد أحمد. الصفحات الثقافية ساهمت في صناعة وإبراز نجوم الثقافة آنذاك، وطرح القضايا وصناعة الحوار فيها، وهذه الصفحات كانت توازي الصفحة الأولى في قوتها وحساسيتها عند هيئة التحرير في هذه الصحف، وكانت جاذبة لشرائح القراء، وهو الهدف الذي تسعى له أية مطبوعة، فكانت تعامل كصفحة رئيسية، ومسمى الثقافة كقسم مستقل لأهميته داخل هيكلة إدارات التحرير. لكن الوضع تغير كثيراً الآن، حيث نجد أن الصفحة الثقافية تراجعت في سلم الجريدة وفي أولوية واهتمامات القارئ. لكن الصحافة، رغم الصورة المحبطة لواقع محتوى الصفحات الثقافية فيها وحجم اهتمامها بالمشهد الثقافي، ومدى تشجيعها للجيل الجديد من المثقفين، إلا أنها استطاعت أن تبرز عدداً من الكتاب الجدد، هؤلاء أصبحت اليوم لهم قاعدة من القراء والمتابعين، وبعضهم نجح في الكتابة اليومية والاستمرار فيها لسنوات، رغم صعوبة مثل هذه المهمة، لاسيما في ظل عدم التفرغ للكتابة. وفي هذا الخصوص نلاحظ مدى نشاط العنصر النسائي وحماسه في هذا الميدان، فنجد في جريدة "الخليج" مقالات عائشة تريم التي أصدرت قبل أيام كتابها الأول "في مواجهة اللامبالاة"، وأيضاً حصة سيف. ومن جريدة "البيان" انطلقت عائشة إبراهيم سلطان، وفضيلة المعيني، وميساء غدير، في كتابة زوايا يومية، وكذلك مريم سالم، ونوره السويدي في كتابة المقالة الأسبوعية. أما جريدة "الاتحاد" فهي تضم أكبر عدد من الكتاب المواطنين الشباب، إذ نجد فيها إعلاميين يمارسون كتابة الزاوية اليومية أو المقال الأسبوعي، وفي مختلف المجالات مثل: محمد عيسى، ومحمد البادع، وحسين الحمادي، وراشد الزعابي، والسعد المنهالي، وحمد الكعبي، وسيف الشامسي، وأمل المهيري، وسعيد البادي، وفتحيه البلوشي، وهدى سعيد، ومريم الشميلي، وأمينه عوض، وإبراهيم العسم وجميل رفيع وإبراهيم الذهلي وسعد جمعة. وهناك عشرة كتاب من الجيل الجديد في "وجهات نظر" لهم زوايا أسبوعية ثابتة، وقد تبدو اليوم صفحات "وجهات نظر" أكبر ملتقى لأبرز الكتاب العرب بالإضافة إلى كتاب عالميين يناقشون قضايا فكرية، ويطرحون رؤى لقضايا الساعة. فمشاركة مجموعة من كتاب الإمارات الجدد ضمن هذه النخبة البارزة من المفكرين والكتّاب يعطيها مساحة لتحديد مسارها والتركيز على الكتابة التحليلية المتخصصة. أما جريدة "الإمارات اليوم"، فقد استطاعت أن ترسم لها خطاً مميزاً، سواء من حيث الشكل والحجم أو من حيث التركيز على البعد المحلي والقضايا الاجتماعية تحديداً في تغطياتها، وعدم التقيد بإلزامية وتراتبية الأخبار الرسمية الذي تتقيد به جميع الصحف المحلية. تنشر "الإمارات اليوم" لسبعة كتاب من الجيل الجديد، وتجتذب شريحة كبيرة من القراء على موقعها الإلكتروني، ففي نوفمبر من العام 2008 كان يتصفحها 13 ألف قارئ يومياً من 80 دولة وبمجموع 73 ألف صفحة، وفي نفس الشهر من العام المنصرم (2011) نجد أن عدد المتصفحين قفز إلى 75 ألفاً يومياً ومن 117 دولة، أما الصفحات المقروءة فوصل عددها إلى310 آلاف صفحة. الصورة اختلفت في صحافتنا الناطقة باللغة الإنجليزية عما كانت عليه في السنوات الماضية، فجريدة "جلف نيوز" يكتب فيها 7 مواطنين من الشباب تقريباً. وجريدة "ذا ناشيونال" تضم ما بين 10 إلى 15 مواطناً، ما بين صحفي وكاتب مقال في صفحة الرأي. أيضاً هناك عدد من المبادرات الشبابية للمشاركة في صناعة الصحافة الورقية، فهناك مجلة متخصصة في السياحة مثل "أسفار" صاحبها ورئيس تحريرها إبراهيم الذهلي، عمرها اليوم 11 سنة ولا تزال تواظب على الصدور الشهري. كما أن هناك "هماليل"، وهي مجلة أدبية تُعنى بالتراث والشعر الشعبي، تصدر كمطبوعة نصف شهرية، ويرأس تحريرها خالد العيسى، وتضم كادراً من الشباب المواطنين، وتلقى إقبالاً جماهيرياً، كما استطاعت المواظبة على الصدور منذ انطلاقها عام 2008.