من نواحي عديدة، يمكن القول إن الخطة التي اتبعت لمعالجة أزمة الدين السيادي اليوناني، وتسهيل تقديم حزمة إنقاذ ثانية من الاتحاد الأوروبي، من خلال قيام المؤسسات الخاصة المالكة للسندات السيادية لتلك الدولة بخصم 50 في المئة من قيمتها السوقية، تمهيداً لإعادة هيكلة دينها الضخم، تشبه إلى حد كبير خطة إعلان الإفلاس المنظم للأوروجواي والأرجنتين في بدايات العقد الماضي، والتي يقدم درساً لليونان في أزمتها الحالية. أعلنت الأرجنتين إفلاسها عام 2001، وإن كانت قد بدأت عملية إعادة الهيكلة رسمياً عام 2002. وتضمنت تلك العملية إعادة تخفيض جذرية لسعر صرف عملتها المحلية مقارنة بالدولار، ما أدى من خلال عمليتي هيكلة أجريتا تباعاً إلى تحقيق خفض كبير في الديون المستحقة عليها(بمقدار الثلثين تقريباً)، وهي الديون التي كانت قد بلغت 100 مليار دولار. أما الأوروجواي فقصتها مختلفة، إذ أرادت تفادي حدوث ضرر دائم لسمعتها الائتمانية، فقامت بمد فترة استحقاق سنداتها السيادية لمدة خمس سنوات إضافية. لم تعلن أوروجواي عجزها عن سداد قيمة تلك السندات، وإنما عملت على مد فترة السداد، واحتفظت بسعر الفائدة على ديونها من دون تغيير، مما أدى إلى تخفيض مقدار الخسائر التي تعرض لها الدائنون جراء تقلص قيمة السندات عن قيمتها الاسمية، وجعل من تجربتها في هذا الشأن أفضل تجربة خلال العقدين الماضيين. وقد لعبت عمليتا إعادة هيكلة الديون التي أجرتها كل من الأرجنتين والأوروجواي دوراً كبيراً في تحسين الأحوال الاقتصادية فيهما. فعندما تتمكن دولة ما من التغلب على أزمة ضخمة في ديونها السيادية، كانت تتسبب في ركود اقتصادها وتجعله يعود للنقطة التي كان قد بدأ الانحدار من عندها، فإن ذلك يعني أنها حققت معدلات نمو اقتصادية مرتفعة، وهو ما تدل عليه الحالة الجيدة التي أصبح عليها الاقتصاد الأرجنتيني في السنوات الأخيرة، والتي ساعد في الوصول إليها الارتفاع الكبير في أسعار السلع التي تنتجها وتصدرها الأرجنتين إلى الأسواق العالمية. وإذا ما عدنا لأزمة اليونان التي كانت نسبة ديونها السيادية إلى دخلها القومي الإجمالي قد وصلت إلى 160 في المئة، فسنجد أن الخفض الذي أجراه الدائنون الخصوصيون طواعية على ديونهم المستحقة، قد ساهم في تخفيض قيمة تلك الديون بمبلغ ضخم، علاوة على أنه ساعد على تجنب خيار المواجهة والدخول في منازعات قضائية لاسترداد المستحقات، بما قد يترتب على ذلك من خروج اليونان من سوق الائتمان الدولي، فإني قد توصلت عبر تحليل للأوضاع أجريته خلال الأسبوعين الماضيين إلى خلاصة تتفق بشكل عام مع الخلاصة التي توصل إليها "لوكاس باباديموس" رئيس الوزراء اليوناني الجديد، ومفادها أن عملية خفض القيمة السوقية للسندات السيادية لا ينبغي أن تكون كبيرة للغاية حتى لا تفقد اليونان سمعتها الائتمانية، خصوصاً وأن الديون المستحقة عليها كانت من النوع "القابل للتدبير" رغم كل شيء، لولا الضغط الذي مارسته ألمانيا على الدائنين لدفعهم لإجراء ذلك الخفض في القيمة السوقية للسندات. لكن ما هو المسار الذي ستتخذه الأزمة اليونانية إذا ما مضت الخطة الخاصة بتخلي مؤسسات القطاع الخاص عن جزء من ديونها في الطريق المرسوم؟ هذا المسار ينحصر في اتخاذ الخطوات اللازمة لجعل الاقتصاد اليوناني يعود إلى النمو بنسبة 3 في المئة، وهي النسبة التي كان عليها قبل حدوث الأزمة. ويتوقف تحقيق هذا الهدف إلى حد كبير على قدرة اليونان على إجراء عملية إعادة هيكلة للقطاع العام، والنجاح في دفعه لإجراء العديد من عمليات الخصخصة، أي التحول نحو الملكية الخاصة، وتوجيهه إلى تحقيق مزيد من الصادرات. وقد نجد هناك من يتساءل: هل عدم قدرة اليونان على تخفيض قيمة عملتها، بسبب عضويتها في منطقة اليورو، يعوقها عن معالجة أزمة ديونها السيادية؟ الحقيقة أن عملية تخفيض قيمة العملة تعتبر سلاحاً ذا حدين، فهو إجرا يمكن أن يكون مفيداً بقدر ما يمكن أن يكون ضاراً، إذ قد يشكل حافزاً للنمو وزيادة الصادرات من ناحية، كما قد يرفع من تكلفة الدين بالعملة المحلية جراء تقلص قيمتها في الخارج، من ناحية أخرى. وبالنسبة لموضوع اليونان فالاحتمال الأرجح هو أن التأثير النهائي لخروجها من منطقة اليورو، في حالة ما إذا ما استقرت على خيار تخفيض قيمة العملة، سوف يكون سلبياً لأن أي مكاسب يمكن تحقيقها عبر تخفيض قيمة العملة وزيادة الصادرات، سوف تتلاشى بسبب الخسائر الناتجة عن خروجها من منظومة العملة الموحدة "اليورو". ويليام آر. كلاين زميل رئيسي في معهد باترسون للاقتصاد الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تربيون ميديا سيرفس"