عندما وصف رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج نظيره الباكستاني يوسف رضا جيلاني بأنه "رجل سلام" على هامش قمة "رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي"، المعروفة اختصاراً بـ"سارك"، التي انعقدت في المالديف هذا الأسبوع، كان من الواضح أن البلدين يبذلان قصارى جهودهما لضمان أن تتخذ العلاقات الثنائية مساراً تصاعدياً. فليس سراً أن "سينج" يرغب في تحسين العلاقات مع باكستان، حيث يطمح إلى أن يكون ذلك جزءا من تركة فترة رئاسته للحكومة التي شهدت إنجازات ونجاحات في السياسة الخارجية مثل الاتفاق النووي المدني الهندي- الأميركي، الذي أخرج الهند من سنوات العزلة النووية. وتأتي إشادة رئيس الوزراء الهندي بنظيره الباكستاني أيضاً بعد أن عبرت إسلام آباد عن نيتها منح الهند وضع "الدولة الأكثر تفضيلاً"، الأمر الذي سيفتح الباب أمام التجارة بين البلدين. وعلى الرغم من أن زعماء "رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي" يعقدون قمتهم كل عام، ويعقدون أيضاً اجتماعات ثنائية مع بعضهم البعض، فإن الخبر الأهم هو من دون شك اللقاء الذي جمع الزعيمين الهندي والباكستاني. والواقع أن هذا التكتل هو أكبر بكثير من البلدين فقط، ويمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً بحيث يشجع التجارة بينهما ويجعلهما مساهمين في نجاح بعضهم البعض. ولكن من أجل تحقيق ذلك، يتعين على أعضائه، وبخاصة الهند وباكستان، أن يضعوا خلافاتهم السياسية جانباً من أجل إنجاحه. الأعضاء المؤسسون لـ"رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي" هم بنجلاديش، وبوتان، والهند، والمالديف، ونيبال، وباكستان، وسريلانكا. وعلى الرغم من أن أفغانستان انضمت إلى هذه المنظمة عام 2005، فإن الرئيس الأفغاني لم يجعل حضوره محسوساً إلا هذا العام عندما شدد على أن انضمام بلده إلى هذا التكتل هو أكثر من مهم بالنظر إلى انسحاب القوات الغربية من أفغانستان، التي توجد في مرحلة انتقالية ويعد السلام فيها أساسياً ليس لجيرانها المباشرين فحسب، وإنما بالنسبة لمنطقة جنوب آسيا برمتها. والملفت أن أهمية "رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي" ما فتئت تزداد خلال السنوات القليلة الماضية، وهو أمر يمكن ملاحظته من العدد المتزايد للبلدان التي تتمتع بوضع "مراقب": أستراليا، والصين، والاتحاد الأوروبي، وإيران، واليابان، وموريشيوس، وميانمار، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة. وخلال الآونة الأخيرة، تقدمت تركيا أيضاً بطلب انضمامها إلى الرابطة. وعلى الرغم من أن ما حققته منطقة جنوب آسيا لا يرقى بعد إلى حجم إمكانياتها، فإن بلداناً مثل الهند التي تسجل معدل نمو يبلغ 8 في المئة سنوياً في المنطقة، تراقَب عن كثب. غير أنه في الوقت الراهن، يظل التركيز منصباً على العلاقات الهندية - الباكستانية التي تعد أساسية ليس بالنسبة للبلدين فحسب، وإنما بالنسبة للتكتل برمته. ذلك أنه في النهاية، فإن اتفاقية "سارك" الاقتصادية، "سافتا" (اتفاقية التجارة الحرة بين بلدان جنوب آسيا)، التي تسعى إلى خلق نظام تجاري على نموذج الاتحاد الأوروبي، لم تطبق سوى في بعض الأجزاء بسبب الخلافات السياسية بين الهند وباكستان. فقد وقع على هذه الاتفاقية في السادس من يناير 2004 ولكنها لم تطبق بالكامل نظراً لبعض الخلافات. أما اليوم، وبعد أن أعلنت باكستان منح الهند وضع الدولة الأكثر تفضيلاً، فإن السيناريو قد يتغير. إلى ذلك، يمكن القول إن قمة "رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي" هذه أكدت شيئاً آخر كذلك، ألا وهو حقيقة أن كلاً من الهند وباكستان بدأتا تبذلان مزيداً من الجهود من أجل إعادة العلاقة إلى سكتها وخفض التوتر بينهما، حيث تحدث البلدان في قمة الرابطة، محاطين بزعماء بلدان أخرى من جنوب آسيا، حول أهمية بدء "فصل جديد" في علاقاتهما المضطربة. وفي هذا السياق، وعدت إسلام آباد نيودلهي بتقديم الإرهابيين الذين يقفون وراء هجمات مومباي الإرهابية إلى العدالة قريباً. وفي هذه الأثناء، ناقش البلدان إعادة جوانب أخرى من علاقاتهما إلى الواجهة، وعقد مباحثات حول "اتفاقية تجارة تفضيلية" ونظام تأشيرة ليبرالي. وعلى الرغم من أن كل المؤشرات التي خرجت من الاجتماعات كانت مشجعة وتبعث على التفاؤل والأمل، فإن الأجواء الإيجابية في الماضي لم تكن تترجم دائماً إلى عمل على الأرض . وعلى سبيل المثال، فرغم محاولات البلدين الخروج من هجمات مومباي الإرهابية، فإن ظل الهجمات لم يزل بعد في الواقع، لأن فظاعتها مازالت حاضرة بقوة في أذهان الجمهور الهندي، إضافة إلى وعي بأن الهجمات تم التخطيط لها في باكستان وأن الأشخاص الذين يقفون وراءها لم يقدموا إلى العدالة بعد. صحيح أن محاكمة بعض الإرهابيين قد بدأت في باكستان، إلا أنها تتقدم بوتيرة جد بطيئة، مما يصيب الهنود بالإحباط. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الهندي يرغب في عقد السلام مع باكستان، فإن عليه أيضاً أن يأخذ في عين الاعتبار بواعث قلق داخلية، حيث ضاق الناس ذرعاً بالهجمات الإرهابية التي تنطلق من الأراضي الباكستانية. وبالتالي، فإن الزعيم الهندي لديه هامش ضيق للمناورة، والشاهد تعرضه لوابل من الانتقادات من قبل أحزاب المعارضة وبعض وسائل الإعلام الهندية عندما وصف رئيس الوزراء الباكستاني بأنه رجل سلام. والحقيقة أن الجيش هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في باكستان، وبالتالي، فعلى الرغم من أن الزعامة المدنية قد ترغب في الدفع نحو سلام مع الهند، فإنها لا تستطيع القيام بذلك إلا بدعم من جنرلات الجيش. وبهذا المعنى، يمكن القول إن احتمال السلام بين الهند وباكستان مازال ضئيلاً، غير أن ما يستطيع الجانبان فعله، بالمقابل، هو عقد اللقاءات وخطو خطوات صغيرة إلى الأمام، لأن الحقيقة أيضاً أن شعوب باكستان والهند وبقية بلدان جنوب آسيا ترغب في أن يسود السلام والرخاء منطقتهم.