حمل صديقي خروفاً بسيارته اشتراه من دولة خليجية ليكون أضحية لوجه الله في عيد الأضحى الماضي، وحاول الدخول إلى بلده عبر الحدود، فاكتشفت جمارك الحدود الخروف الأضحية: ممنوع! وتساءل متعجباً: ليش؟ ليأتيه الجواب دون منطق أو تفسير: ممنوع خروج المواشي حية. وما العمل الآن؟ تساءل صاحبي متوسلاً: اذبح الخروف وأخرجه من البلاد إن شئت. اضطر صديقي لأن يذبح أضحيته قبل عيد الأضحى بيومين، وإلا فقدها! الدكتور عبدالخالق عبدالله تحدث عن اللحظة الخليجية التاريخية لقيادة الأمة العربية، وأضاف: وأيضاً اللحظة القطرية التاريخية لقيادة الجهد الخليجي لقيادة الأمة العربية. كان ذلك في نقاش أكاديمي غاب عنه الرسميون بشكل كامل تقريباً، نظمت الندوة جامعة قطر بالدوحة وتمحورت حول تقييم مسيرة مجلس التعاون الخليجي بعد ثلاثين سنة على إنشائه. الدور الخليجي لقيادة الأمة في هذه المرحلة فرضته الظروف، فالدول "القيادية" تقليديّاً –مصر وسوريا والعراق- مشغولة بثوراتها وتحولاتها، وليبيا ولت جعجعتها القذافية برحيل ديكتاتورها الذي لعب دور القائد وملك الملوك دون ترجمة حقيقية لذلك الدور. كتب الباحث الدكتور ظافر العجمي مقالاً يشير فيه إلى دور الدول الصغيرة حجماً –مثل قطر- والمؤثرة من خلال المال والإعلام، وجادل بمنطق أن حجم الدول مساحة وسكاناً والجيوش الجرارة لم تعد متطلبات ضرورية كي تلعب الدول دوراً كبيراً على المسرح الدولي. في ندوة جامعة قطر، أسهب المشاركون في تفصيل مسيرة مجلس التعاون الخليجي على امتداد ثلاثة عقود هي عمر المجلس، وراحوا بكل موضوعية يعددون إنجازاته ويشيرون إلى إخفاقاته. ولعل أهم ما تطرق إليه المشاركون من إخفاقات غياب المرجعية القانونية لحل النزاعات والخلافات بين الدول الأعضاء، فعلى رغم أن النظام الأساسي للمجلس يشير إلى إنشاء هيئة لحل النزاعات، إلا أن هذه الهيئة لم تتشكل ولم نسمع عن نية لتشكيلها. ولكن الأهم هو غياب المحاسبة -وبالذات الشعبية- التي يمكن أن تحاسب من يتلكأ في تنفيذ قرارات القمم الخليجية الرائعة، فكثير من قرارات القمم لم يتجاوز الحبر الذي صيغت به، ولم يقم البيروقراطيون بترجمتها على الأرض، ولا ينوون ذلك لأنهم ببساطة -لن يحاسبوا إن لم يطبقوا، فلا برلمان خليجي، ولا آليات أو عقوبات ضد مسؤولي الدول التي لا تطبق قرارات القمم الرائعة على الورق فقط. ولقد نالت قضايا التعليم والمرأة والتركيبة السكانية والأخطار المحتملة من ازدياد العمالة الوافدة والفجوة الاقتصادية بين الدول الأعضاء والتفاوت الصارخ في مستوى المعيشة بين شعوبها، نصيبها من نقاش علمي ممتاز في تلك الندوة. ويبدو أنه اتضح للمشاركين -وبالذات الطلاب منهم- أن ثمة فجوة كبيرة بين دور مجلس التعاون القومي والإقليمي والعالمي الفعال، وبين خموله وكسله في الإسراع بترتيب البيت الخليجي وتعزيز التعاون بين دوله الست بما يفترض أن يقود إلى وحدة كونفدرالية طال انتظارها. تحقيق السوق الخليجية المشتركة الذي أقرته قمة الدوحة قبل أربع سنوات، بقي حبيس أدراج البيروقراطية، وتعثر أمام قوى الاحتكار والنزعات الفردية التي تسود ثقافتها زوايا تنفيذ القرارات الخليجية، فلا زالت العوائق والعقبات توضع أمام الشركات الخليجية لو اتسع نشاطها في دول أخرى للمجلس، ولا زالت عبارة "ما يصير" سيدة الموقف أمام تلاحم النشاط التجاري الخليجي وتعزيز التجارة البينية، وتقف عبارة "ما عندنا تعليمات"، أمام مزاولة الشركات الخليجية أنشطتها في دول المجلس على رغم قرارات السوق المشتركة. بدا لي الحديث عن السوق الخليجية المشتركة أشبه بالطرفة السمجة، وتذكرت صاحبي وخروفه الأضحية الذي ضحى به قبل العيد بيومين!