رغم مرور 44 سنة على حرب الأيام الستة عام 1967، وتحقيق إسرائيل لانتصارها الكاسح على العرب، واحتلالها الأراضي العربية في الضفة الغربية والجولان وسيناء، يجادل الكاتب الأميركي "جيرشوم جورينبيرج" في كتابه الذي نعرضه هنا، وعنوانه "إسرائيل... التدمير الذاتي"، بأنه عكس ما تبدو عليه الأمور، لم تحقق الدولة العبرية النصر الذي أملته ولا استطاعت الاستفادة من توسيع رقعتها الجغرافية بعيداً عن الشريط الساحلي. فإسرائيل، حسب الكاتب الذي لا يخفي ميوله اليسارية ودفاعه عن المفاهيم العلمانية، مهددة بخسارة صورتها أمام نفسها قبل الرأي العام الدولي. فقد تأسست على مجموعة من القيم الليبرالية، كما أن فكرة الصهيونية نفسها التي سعت إلى إحلال الشعب اليهودي مكان شعب آخر لم تستند إلى الدين إلا كغطاء لمشروعها القومي. لكن الوجه الحالي لإسرائيل تغير كثيراً عن التصورات المرجعية الأولى وبات واقع الدولة مغايراً لما كان عليه، مما يتجلى في تراجع التيار الليبرالي واكتساح الموجة الدينية لمختلف أوجه الحياة، بل حتى مؤسسة الجيش لم تنجُ من سيطرة الأفكار الدينية. لكن كيف لإسرائيل الغنية والمتفوقة عسكرياً أن تخسر حرباً حسمت نتيجتها قبل عدة سنوات؟ يجيب الكاتب أن الدولة العبرية لا تستطيع ابتلاع الأراضي الفلسطينية في القدس والضفة الغربية والحفاظ على ازدهارها وقيمها الديمقراطية، فعدا حرب السيطرة على الفلسطينيين وإخضاعهم واستثنائهم من الديمقراطية كمواطنين، يشير الكاتب إلى حرب أخرى تخسرها إسرائيل مع الأصولية الدينية اليهودية التي تتحدد ملامحها في مظهرين: الأول اكتساح التشدد الديني للحياة العامة عبر التشريعات التي تحابي المتدينين وتسايرهم في نمط حياتهم. وتكمن المشكلة في كلفة ذلك على خزينة الدولة، فإسرائيل تمول المدارس الدينية والمتدينين وتغدق عليهم العطايا المختلفة ضمن دولة الرفاه دون مقابل تستفيد منه الدولة والمجتمع. أما المظهر الثاني فيتمثل في الصعوبة التي باتت تواجهها الدولة العبرية في التعامل مع المستوطنين الذين هم أيضاً ينهلون من الأيديولوجية الدينية نفسها. ويسوق الكاتب مثالا لإحدى البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية هي "أوفرا" التي تحولت من بؤرة صغيرة تضم عشرات المستوطنين إلى مستوطنة تضم ثلاثة آلاف مستوطن. والمشكلة، يقول الكاتب، أن تلك المستوطنة لم تحصل على أي ترخيص للبناء من السلطات الإسرائيلية، ومع ذلك لم يتدخل أحد لتفكيكها لأن المستوطنين يحصلون بدلاً من الترخيص القانوني على دعم سياسي من قادة إسرائيل، وهو ما يحذر منه الكاتب، مشيراً إلى أن إسرائيل ستتحول إلى دولة لا تحترم القانون، فكيف غدت على هذا النحو؟ وما الذي جرى حتى تطغى فئة قليلة من المستوطنين على غالبية الإسرائيليين؟ للإجابة على السؤال يرجع بنا الكاتب مرة أخرى إلى حرب عام 1967 باعتبارها أساس المشاكل التي تعاني منها الدولة العبرية اليوم، فمباشرة بعد الانتصار العسكري شعر الإسرائيليون بنوع من الثقة الزائفة وطغت عليهم مشاعر الحبور التي دفعتهم للتوسع في الضفة الغربية وإطلاق يد الاستيطان الذي تقف وراءه العواطف الدينية لليهود المتدينين الذين كانوا دائماً يحيلون إلى الضفة الغربية بأسمائها الثوراتية "! وبسبب تصاعد نفوذ المستوطنين الذي يتقاطعون مع المتدينين داخل إسرائيل بتياراتهم المتشددة، تجد الدولة نفسها عاجزة عن تنفيذ القانون، لاسيما في ظل السياسية الإسرائيلية التي تحول دون دخولهم في مواجهات مباشرة مع المستوطنين. لكن الكاتب وبعد عرضه للواقع الناشئ بعد حرب الأيام الستة التي يحملها مسؤولية تهور السياسات الإسرائيلية، يعود ليطرح مجموعة من الحلول أهمها فك الارتباط غير الصحي بين الدين والسياسية في الدولة العبرية، وإعادة المستوطنين إلى داخل حدود إسرائيل، فلا يعقل، يقول الكاتب، أن يتجاور المستوطن اليهودي مع العربي الفلسطيني في قرى وبلدات الضفة دون أن يتساويا في الحقوق السياسية، إذ في الوقت الذي يدلي فيه المستوطن بصوته في الانتخابات العامة ويشارك في رسم السياسات، لا يحق للعربي في الأراضي المحتلة الإدلاء بصوته، وهو ما يضع إسرائيل أمام حلين لا ثالث لهما: إما تمتيع العربي بنفس الحقوق، أو إنهاء الاحتلال والعودة إلى داخل حدود 1948. زهير الكساب الكتاب: إسرائيل: التدمير الذاتي المؤلف: جيرشوم جورينبيرج الناشر: هاربر كولينز تاريخ النشر: 2011