فيما يغرق الغرب على شاطئ الأطلسي في بحر من أزمات متتالية وخطيرة، فإن الشرق يحقق النجاح تلو الآخر. فبعد الاتفاقيات الاقتصادية المهمة الموقعة بين الصين والهند، اتفق زعماء الصين واليابان وكوريا الجنوبية، الأسبوع الماضي، على إبرام معاهدة استثمار ثلاثية بنهاية العام الجاري بقصد تسريع محادثات التوصل لاتفاق تجارة حرة بينهم. وإذا ما وقعت مثل هذه الاتفاقية، كما هو متوقع، فسيشهد العالم إقامة أكبر منطقة للتجارة الحرة يتجاوز عدد سكانها المليار ونصف المليار نسمة، أي نحو 21 في المئة من سكان العالم. الثقل الاقتصادي العالمي ينتقل من الغرب إلى الشرق، هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، مما يتطلب إعادة تقييم للعلاقات الدولية من قبل مختلف بلدان العالم في ظل هذا التحول. والمطلوب أن يتم تقييم هذه العلاقات من خلال بلورة رؤية استراتيجية تتيح حماية المصالح الاقتصادية ونسج علاقات جديدة تعبر عن عمق التحولات العالمية الجارية حالياً. وإذا ما أخذنا أزمتي الاقتصاد الأميركي ومنطقة "اليور"، نلاحظ هذه الأزمات قد يتم تجاوزها، لكن المهم هو أنه لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي سيعودان كما كانا قبل الأزمة. وهذه هي النقطة الجوهرية التي لابد من أخذها بعين الاعتبار، وبناءً على ذلك فإن الاقتصاد العالمي وتوازن القوى الدولية سوف لن يشبها أوضاع ما قبل الأزمة. فهناك مجموعة "بريكس" وهناك التحالف "الأصفر" الجديد في شرق آسيا، وأخيراً هناك مجموعة العشرين وتناقضاتها الداخلية. فأين مصالح بقية بلدان العالم؟ وأين يقف العالم العربي من هذه التحولات؟ النقطة المضيئة اقتصادياً في العالم العربي تتمثل في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك رغم بطء المسيرة الخليجية، فدول المجلس تحقق معدلات نمو جيدة، كما أن مستويات المعيشة تتحسن رغم معدلات التضخم المرتفعة، علاوة على وجود خدمات وبنى تحتية ترتقي إلى المعايير العالمية. ومع ذلك يوجد من يحاول الإساءة لهذه التجربة العربية الناجحة، سواء بافتعال الأحداث والمبالغة في بعض الانعكاسات الناجمة عن الأزمات العالمية أو بعرقلة تنفيذ الاتفاقيات الخليجية الموقعة. فحالياً تتم عملية عرقلة تنفيذ التعرفة الجمركية الموحدة من خلال إعفاء البضائع المتنقلة بين دول المجلس لمدة عامين فقط، أما إذا مضى عليها أكثر من ذلك، فيتم فرض ضريبة عليها بنسبة 5 في المئة. ولا نعلم من هي العبقرية الاقتصادية الفذة التي تقدمت بهذا الاقتراح المحبط والمعرقل للعمل الاقتصادي الخليجي، إلا أن الأمر والأدهى هو موافقة وزراء التجارة على هذا البند وتطبيقه، دون التفكير بعواقبه السلبية على التبادل التجاري الخليجي المشترك، والذي تسعى دول المجلس إلى تنميته. أما بقية بلدان العالم العربي، فأوضاعها الاقتصادية تسير من سيء إلى أسوء، فمستويات المعيشة تتدنى مقابل ارتفاع في نسب البطالة، والتي زادتها سوءاً الأحداث الجارية، حيث وصل معدل البطالة في اليمن 70 في المئة. وإذ كان الحديث يتم سابقاً عن الغرب ممثلاً في طرفي الأطلسي، أي الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الحديث عن الشرق لابد أن يفصل بين شرقه الأقصى والأدنى، فالأول يسير بخطى حثيثة ليتزعم العالم اقتصادياً، بينما يعيش الآخر أزمات سياسية واقتصادية وسعي حثيث لامتلاك الأسلحة النووية التي لا يمكن لأحد استخدامها، وذلك رغم تكلفتها المالية الباهظة، حيث يشكل غياب الرؤى الاستراتيجية أحد أسباب هذه التناقضات التي يعيشها الشرق الأدنى. د. محمد العسومي