نافذة أمل للاقتصاد البريطاني... وتطورات خطيرة في مصر مصاعب الاقتصاد البريطاني، والاضطرابات في مصر وتحولات الربيع العربي، والقبض على سيف الإسلام القذافي، وإمكانية الاستفادة من النموذج التركي... موضوعات نسلط عليها الضوء ضمن عرض أسبوعي للصحافة البريطانية. أسواق واعدة في افتتاحيتها الأحد الماضي، وتحت عنوان " الاقتصاد العالمي: الفرص الجديدة تشير لما وراء أوروبا" رأت "الأوبزرفر" أن الفوائد الضئيلة التي عاد بها رئيس الوزراء البريطاني من اجتماعه مع المستشارة الألمانية قد فاقمت من تشاؤم ليس الطبقة السياسية البريطانية فحسب، وإنما أيضاً المصدرين البريطانيين الذين باتوا يخشون على مستقبلهم الاقتصادي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأسواق التقليدية التي اعتادوا التعامل معها عبر القنال الإنجليزي، والواقعة في معظمها في الدول الأعضاء في منطقة التي تعاني من مصاعب اقتصادية جمة تقلص إلى حد كبير من قدرتها على استيراد احتياجاتها من الخارج، وهي مصاعب يتوقع لها الاستمرار لعدة سنوات قادمة. وعلى الرغم من تشاؤم المصدرين البريطانيين، فإن الخبر الطيب بالنسبة لهم هو أن الأسبوع الحالي يتوقع أن يجلب معه بصيصاً من الأمل وذلك عندما يعقد "اتحاد الصناعات البريطانية CBI اجتماعه السنوي في لندن خلال هذا الأسبوع (عقد بالفعل أول من أمس الثلاثاء)، فالمتحدث الرئيسي في هذا الاجتماع المهم لن يكون أحد رؤساء الصناعات المختلفة المتعجرفين، أو أحد خبراء إدارة رابطة الجامعات البريطانية كما جرت العادة دائماً، وإنما سيكون ضيفاً جديداً تماماً هذه المرة وهو عبد الله جول رئيس تركيا التي تمكنت خلال السنوات الماضية وبعد فشل محاولاتها المستمرة للانضمام للاتحاد الأوروبي من استعادة دورها كنقطة وصل بين الشرق والغرب وكنقطة وثوب للقارة الآسيوية والشرق الأوسط حيث الأسواق المزدهرة القادرة على استيعاب البضائع والصادرات البريطانية بشكل يمكن بريطانيا من تعويض خسائرها التصديرية في الأسواق التقليدية، التي اعتادت التعامل معها لسنوات والواقع معظمها في أوروبا. ليس هذا فحسب بل يمكن للبضائع البريطانية أن تجد سوقاً رائجاً لها في تركيا ذاتها التي يعيش اقتصادها في الوقت الراهن فترة من الازدهار بعد أن نجح في السنوات الأخيرة من تحقيق معدلات نمو مرتفعة، جعلته واحداً من الاقتصادات الرئيسية في العالم بعد أن كان قد عانى الكثير في العقد الماضي جراء التضخم والأزمات المصرفية التي أبطأت من وتيرة نموه لحد كبير. "نهاية الربيع" "أزهار الثورة المصرية بدأت في الذبول"، هكذا عنونت الـ"ديلي تلجراف" افتتاحيتها يوم الاثنين الماضي، والتي تناولت فيها التطورات الخطيرة التي تجري في مصر. تقول الصحيفة في بداية تلك الافتتاحية إنه على الرغم من اتفاقها مع الآراء التي كانت ترى أن ثورات الربيع العربي لن تكون مرحباً بها من قبل الجميع بالشرق الأوسط ، إلا أنها لم تكن تتوقع أن ينحرف مسار تلك الثورات على النحو الذي يتكشف في الوقت الراهن. ففي ليبيا وعلى الرغم من التخلص من عائلة القذافي، التي ظلت قابضة على زمام الأمور في ذلك البلد لما يزيد عن أربعة عقود، فإن الآمال التي كانت قد داعبت خيال دول الغرب بشأن قدرة المجلس الوطني الانتقالي من تحقيق انتقال سلس من الطغيان إلى الديمقراطية قد لا تتحقق كما تشير إلى ذلك العديد من الظواهر منها الطريقة البشعة التي تم بها قتل القذافي، والنزاع الذي يدور بين المجلس الوطني الانتقالي وبين محكمة العدل الدولية بشأن محاكمة سيف الإسلام القذافي الذي قبض عليه منذ عدة أيام هو ورئيس المخابرات الليبية السابق، بالإضافة إلى ما كان قد تكشف من قبل من صراعات وحزازات بين جماعات الثوار وتنافس خفي بين قادة المجلس على الأدوار التي يسعى كل منهم للاضطلاع بها في منظومة الحكم في فترة ما بعد القذافي. وفي سوريا لا يزال بشار متشبثاً بالسلطة على الرغم من العزلة المتزايدة التي يواجهها، الضغوط التي يتعرض لها النظام من القوى العالمية بل من الزعماء العرب الذين باتوا يطالبونه بالرحيل بعد رفضه التوقف عن المجازر الدموية التي يرتكبها ضد أبناء شعبه. وهناك كذلك التوتر والاضطرابات الحاصلة في مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، في الوقت الراهن، والتي تدل على أن الأزهار المبكرة التي نبتت في هذه الدولة عقب الثورة التي تمت في يناير وفبراير من العام الماضي قد بدأت بالفعل تتعرض للذبول بفعل صقيع الواقع والمناورات السياسية للقوى الطامحة إلى السلطة والراغبة في الاحتفاظ بها(المجلس العسكري). مما أدى لعودة ميدان التحرير، الذي كان مهداً لتلك الثورة، كي يكون مسرحاً لاشتباكات واسعة النطاق بين المتظاهرين الغاضبين وقوات الأمن تذكر في كثافتها بتلك التي حدثت أثناء الثورة الأولى. وهذه الاشتبكات والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف تمت على أثر التظاهرات والاحتجاجات التي تمت احتجاجاً على بطء خطوات الإصلاح، واعتراضاً على ما عرف بوثيقة السلمي التي ترى فيها الكثير من القوى والجماعات السياسية محاولة فجة من جانب المجلس العسكري للقوات المسلحة لترتيب الأوضاع في فترة ما بعد الانتخابات بحيث يضمن للجيش مكانة متميزة تتمثل في احتفاظه بميزانية مستقلة وبوضع خاص يجعل منه دولة فوق الدولة. ومن ضمن الأسباب التي أدت إلى الاضطرابات والتوتر الحالي الاحتجاج على تباطؤ المجلس العسكري في تنفيذ الخطوات المطلوبة من قبل الثوار، والتي كان آخرها قانون العزل السياسي، الذي كان من المفترض أن يحول دون مشاركة من أفسدوا الحياة السياسية في الانتخابات، وهو تباطؤ كان الثوار وغيرهم من القوى السياسية يرون أن هدف المجلس العسكري منه هو إعادة إنتاج النظام السابق واستمرار سيطرته هو على الحكم، حتى بعد تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية. وترى الصحيفة أن الاضطرابات الحالية يمكن أن توفر للمجلس العسكري الذريعة، التي يمكن له الاستناد عليها في تأجيل الانتخابات التي كان مقرراً إجراءها الأسبوع القادم، والتي كان من المفترض أن تنقل مصر من عهود الديكتاتورية إلى عهد جديد من الديمقراطية على الرغم من تعهده بإجراء تلك الانتخابات في موعدها. نهاية وبداية رأت"الاندبندنت" في افتتاحيتها المعنونة "نهاية عائلة القذافي تمثل بداية جديدة لليبيا" أن القبض على سيف الإسلام القذافي ومدير الاستخبارت الليبية السابق عبدالله السنوسي يمثل النهاية الطبيعية للثورة الليبية الظافرة. فقبل اعتقال سيف الإسلام كان بإمكان بقايا النظام السابق الهاربين الإدعاء بأن الهزيمة التي تعرضوا مؤقتة وإنهم سيعملون على الانتقام مما حدث واسترداد السلطة التي فقدوها مجدداً، وكان عدم القبض على سيف الإسلام بالذات يوفر نوعاً من الوجاهة لذلك الإدعاء على أساس أنه - سيف الإسلام - قادر بما يمتلكه من خبرة في الحكم، وبما يتوافر عليه من أسرار، وما يمتلكه من أموال على قيادة تلك الفلول للانتقام مما حدث لوالده وأسرته. أما بعد القبض عليه، فإن كل تلك الاحتمالات قد انتهت. مع ذلك ترى الصحيفة أن القبض على سيف الإسلام مثلما يمثل إنجازاً مهماً لقوات المجلس الوطني الانتقالي، إلا أنه يحمل في طياته العديد من المشكلات. فهو من ناحية يؤشر على مدى هشاشة سلطة المجلس الوطني الانتقالي بعد رفض ثوار الزنتان تسليم سيف الإسلام إليه واصرارهم على محاكمته بمعرفتهم علاوة على أنه يضاعف من مقدار الحرج الذي يشعر به المجلس فهو يرى أنه الأجدر بمحاكمة سيف الإسلام على ما ارتكبه من جرائم في حق الشعب الليبي الذي ثار مقاتلو المجلس من أجله ولكنه يدرك في الوقت نفسه أنه مطالب بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية التي تصر على أنها الجهة المنوط بها توفير محاكمة عادلة لسيف الإسلام وهو ما سيؤدي في حالة امتثاله لطلب المحكمة إلى إحراج المجلس أمام شعبه في وقت بالغ الحرج بالنسبة له وبالنسبة لليبيا كلها. تعايش فريد في افتتاحيتها يوم الاثنين الماضي تحت عنوان"تركيا تقدم نموذجاً يحتذى للعالم الإسلامي"، ترى "الديلي تلجراف" أيضاً أن تركيا بما تنعم به من استقرار ونفوذ متزايد في الإقليم في الوقت الراهن تقدم نموذجاً جديراً بالاحتذاء من قبل العديد من الدول العربية خصوصاً الدول الكبرى التي تعيش الآن أوقاتاً مضربة مثل مصر وسوريا على سبيل المثال. واهم نقطة يجب على تلك الدول الاستفادة من التجربة التركية بشأنها هي تلك الخاصة بالقدرة على تحقيق ذلك التعايش الفريد بين الإسلام والديمقراطية وهي نقطة في غاية في الأهمية خصوصاً وإذا ما أخذنا في اعتبارنا النفوذ المتزايد الذي باتت القوى الإسلامية تحظى به في سياق ثورات الربيع العربي والذي يؤهلها للعب دور كبير في منظومة الحكم خلال المرحلة المقبلة كما هو متوقع. إعداد: سعيد كامل