تشير التقديرات الدولية إلى أن شوارع مدن وقرى العالم تكتظ حاليّاً بحوالي 600 مليون سيارة، وهو العدد الذي يرتفع إلى أكثر من 800 مليون إذا ما أضفنا سيارات النقل الخفيفة، مع توقع أن تزداد هذه الأرقام بشكل مطرد وسريع خلال الأعوام القليلة القادمة، في ظل تنامي الطلب على السيارات في كل من الهند والصين. ويحتاج هذا العدد الهائل من السيارات إلى حرق أكثر من مليار متر مكعب من الوقود سنويّاً، أو ما يقارب 260 مليار جالون من الوقود، ويجعل من السيارات أحد أهم مصادر تلوث الهواء، وخصوصاً في الدول الصناعية، وسبباً رئيسيّاً خلف العديد من المضاعفات البيئية الصحية الخطيرة. ففي الولايات المتحدة مثلاً، تنتج السيارة الواحدة 5200 كيلوجرام سنويّاً من غاز ثاني أوكسيد الكربون -أهم الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري- وكميات أقل من غاز أول أكسيد الكربون، والهيدروكربون، والنيتروجين. وكنتيجة لهذه الكمية الهائلة من الغازات التي تنتجها السيارات في الولايات المتحدة، تظهر الدراسات أن نصف أفراد الشعب الأميركي يتنفسون يوميّاً هواء غير صحي، وأن جودة ونوعية الهواء في العشرات من المدن الأميركية قد انخفضت بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي. ولا يقتصر هذا الوضع وتلك التأثيرات على الولايات المتحدة فقط، بل يمتد إلى جميع الدول الصناعية والغنية التي ينتشر استخدام السيارات فيها كوسيلة مواصلات شخصية رئيسية. فقبل بضعة أعوام نشرت منظمة الصحة العالمية نتائج دراسة أجريت في كل من فرنسا والنمسا وسويسرا، وأظهرت أن عدد من يلقون حتفهم نتيجة الأمراض التنفسية والقلبية الناتجة عن تلوث هواء المدن بعوادم السيارات، يزيد على عدد من يقتلون كل عام من جراء حوادث الطرق. وحسب الدراسة يتسبب استنشاق الهواء الملوث بعوادم السيارات لفترات طويلة، في وفاة 21 ألف شخص كل عام من مواطني الدول الثلاث سابقة الذكر، وهو رقم يزيد على ضعف من يقتلون في الدول نفسها بسبب حوادث الطرق، حيث لا يزيد عدد من يلقون حتفهم بسبب حوادث السيارات عن 10 آلاف سنويّاً. وأظهرت الدراسة أيضاً أن عوادم السيارات وحدها مسؤولة عن ثلث الجزيئات السامة الملوثة للهواء في المدن. ويقدر الباحثون الذين قاموا بالدراسة أن عوادم السيارات تعتبر السبب المباشر في إصابة حوالى 300 ألف طفل سنويّاً بالتهاب الشعب الهوائية، وفي تدهور الحالة الصحية لـ15 ألفاً آخرين من المصابين بالأمراض القلبية، مما يتطلب حجزهم في المستشفيات لتلقي العلاج اللازم. وعلى المستوى الدولي تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 2,4 مليون شخص يلقون حتفهم سنويّاً، بفعل مشاكل صحية بسبب تلوث الهواء نتيجة أسباب مختلفة. ولا يقتصر تأثير تلوث عوادم السيارات على القلب والرئتين فقط بل يمتد أيضاً إلى جوانب متعددة من العمليات الفسيولوجية داخل الجسم البشري. وهو ما أظهرته دراسة أجرتها مجموعة من العلماء في جامعة 'ساو باولو' بالبرازيل، وكشفت أن ارتفاع نسبة التلوث في الهواء يؤدي إلى انخفاض نسبة الذكور بين المواليد الجدد، كما يؤدي أيضاً إلى ارتفاع معدلات الإجهاض بين الحوامل، حيث أظهرت نتائج الدراسة، أن المناطق التي ترتفع فيها نسبة التلوث، تتميز بنسبة أقل من المواليد الذكور مقارنة بالمناطق الأقل تلوثاً. ويعزو العلماء هذه النتائج إلى الحقيقة المعروفة بأن الأجنة الإناث تتمتع بدرجة أكبر من القدرة على البقاء في الظروف البيئية غير المناسبة، مقارنة بالأجنة الذكور التي ترتفع لديها احتمالات الموت في الرحم، أو التعرض لمضاعفات خطيرة أثناء الولادة، مقارنة بالأجنة الإناث. ولا يقتصر تأثير عوادم السيارات على الصحة البشرية، بل يمتد أيضاً للظروف البيئية، التي غالباً ما تتأثر سلباً من خلال تدمير البيئة المعيشية، أو بسبب التلوث الناتج عن السيارات، حيث يقدر أن السيارة الواحدة تتسبب في تدمير مساحة 50 ألف متر مربع من البيئة المعيشية (Habitat Destruction). والمقصود بتدمير البيئة المعيشية هنا، هو العوامل والظروف التي تجعل البيئة الطبيعية غير قادرة عمليّاً على توفير ظروف الحياة الملائمة لنوع أو صنف من أصناف الحياة. وفي هذه العملية تتم إزاحة، أو القضاء على، جميع أفراد الكائن الحي الذي كان يقطن تلك المنطقة، مما يؤدي إلى انخفاض وفقدان التنوع الحيوي، الذي يمثل عدد وأصناف الكائنات الحية المختلفة التي تقطن بقعة ما. ويحدث تدمير البيئة الطبيعية في الغالب بسبب النشاطات البشرية الهادفة لحصد المصادر الطبيعية لغرض الصناعة. وغني عن الذكر هنا أن صناعة وإنتاج السيارات، وخصوصاً بعشرات ومئات الملايين، يحتاج إلى العديد من المصادر الطبيعية مثل الحديد وبقية المعادن، بالإضافة إلى أن أجزاء ومكونات السيارات الأخرى -حتى ولو لم تكن هي في حد ذاتها مواد طبيعية- تحتاج هي أيضاً إلى مواد طبيعية لغرض إنتاجها. وبخلاف تعدين واستهلاك المواد الطبيعية تنتج عن عملية صناعة وإنتاج مكونات السيارات في حد ذاتها مواد ملوثة وسامة، كما هو الحال مع إنتاج الكاوتش المستخدم في الإطارات. وكل هذه المواد، وبعد انتهاء العمر الافتراضي للسيارة، تكون مقالب النفايات مصير جزء كبير منها، على رغم الجهود المبذولة لإعادة تدوير أكبر قدر ممكن من أجزاء السيارات منتهية الصلاحية. وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن الوقود الذي تحتاجه السيارات، والذي غالباً ما يكون من النفط، تؤدي عمليات التنقيب عنه، وإنتاجه، ونقله، وتكريره، وتوزيعه، واستهلاكه إلى آثار بيئية سلبية، أهمها هو إنتاج الغازات المسؤولة عن ظاهرة الدفء العالمي، أو ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تهدد طيفاً واسعاً من البيئات الطبيعية والكائنات الحية بالانقراض والفناء.