أدى القبض على سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وما تردد أيضاً عن اعتقال عبدالله السنوسي مدير استخبارات النظام السابق، إلى احتدام الجدل بين الحكومة الليبية الجديدة والمجلس الوطني الانتقالي، وجماعات حقوق الإنسان الدولية، حول ما إذا كانا سيحاكمان في المحاكم الليبية، أم سيسلمان للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي حيث تصر جماعات حقوق الإنسان الدولية على أن سيف الإسلام وباقي أركان النظام الليبي المقبوض عليهم، لن يحصلوا على محكمة عادلة في ليبيا في الظروف الحالية. وعلى رغم أن تلك الجماعات لديها من الأسباب ما يدفعها للقلق، إلا أن رأيي هو أن إدارة أوباما ومعها المجتمع الدولي، يجب أن يتركا القرار الخاص بذلك لليبيين وأن يحرصا على تقديم المساعدات للحكومة الوليدة بدلًا من أن يعملا على الحلول محلها. بيد أن المشكلة تتمثل أساساً في أن ليبيا، وبعد ما يزيد عن 42 عاماً من الحكم السلطوي، تفتقر إلى القضاء المستقل ومنظومة تنفيذ القانون الجنائي الكفؤة، ويمكن أن يستغرق الأمر منها، نتيجة لذلك، وقتاً طويلًا قبل أن تتمكن من استيفاء الشروط التي تضمن إجراء محاكمة عادلة. وهناك نقطة أخرى مهمة هي أن الحكومة الليبية الجديدة تقول إنها تريد المحافظة على استمرار عقوبة الإعدام في القانون الليبي، وهي عقوبة ممنوعة بالنسبة للدول الأوروبية والعديد من جماعات حقوق الإنسان. والمجلس الوطني الليبي يصر على أن سيف القذافي، وكذلك عبدالله السنوسي، يجب أن يحاكما في ليبيا، ويصر على أن العدالة المحلية هي القاعدة والعدالة الدولية هي الاستثناء. ولكن المجلس يعرف أيضاً أنه باعتباره السلطة المعترف بها في ذلك البلد في الوقت الراهن مضطر في النهاية للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية دون أن يعني ذلك في الآن ذاته أنه مضطر لتسليمهما. وبإمكان المجلس محاكمة الاثنين في ليبيا بموجب اتفاقية روما إذا ما اختار ذلك (على رغم أن ليبيا ليست عضواً في تلك الاتفاقية) لأن الأصل من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بموجب تلك المعاهدة هو تقديم يد العون للمحاكم المحلية عندما تعجز عن إجراء المحاكمات وفقاً للأسس القانونية السليمة. وفي هذا الإطار قام "لويس مورينو أوكامبو" مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية بزيارة إلى ليبيا التقى خلالها مسؤولي المجلس الوطني الانتقالي يوم الثلاثاء الماضي، وأدلى بتصريح قال فيه إنه مستعد للقبول بمحاكمة المسؤولين الليبيين في محاكم ليبية. وطالما أن الأمر كذلك، فإن الواجب يحتم العمل فوراً على استكمال النواقص والشروط التي تمكن المجلس الوطني الانتقالي من إجراء محاكمة عادلة، وتمكن المحكمة الجنائية الدولية، وجماعات حقوق الإنسان، من تقديم المساعدة الفنية والمالية لبناء القدرات القانونية التي تتيح لليبيا إمكانية إجراء تلك المحاكمة أو أية محاكمات أخرى في المستقبل. أما تحويل سيف القذافي وعبدالله السنوسي إلى المحكمة الجنائية الدولية فلن يرتب أي آثار إيجابية على المنظومة القضائية الليبية، ولن يساعد على بناء نظام قضائي ليبي نزيه في المدى الطويل. والمحكمة الجنائية الدولية لديها دور كبير يتعين عليها أن تلعبه في إرساء أسس العدالة الدولية في الوقت الراهن، ويجب على الولايات المتحدة أن تقدم لها يد العون في عملها ولاسيما في القضايا ذات الطبيعة الخاصة، وخصوصاً عندما تكون القدرات القضائية الوطنية في دولة ما غير متاحة كما هو الحال بالنسبة لليبيا في الوقت الراهن. جون. بي. بيلينجر زميل رئيسي بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"