تسبّبت "الأزمة المالية العالمية" منذ اندلاعها في منتصف عام 2008 في إشاعة حالة من الهلع والقلق الواسع بين أوساط المستثمرين حول العالم، ودفعت رؤوس الأموال إلى الخروج من الأسواق، والهروب من الاستثمارات عالية المخاطر، والجنوح إلى البحث عن بدائل استثماريّة أقل مخاطرة، والبحث عن ملاذ آمن تلوذ إليه حتى تتحسن أوضاع أسواق المال، وأسواق الصّرف، وأسواق الطاقة، وغيرها من الأسواق العالمية التي كانت تمثل قبل الأزمة البدائل الاستثماريّة الرئيسيّة حول العالم، كما تسببت الأزمة، وما لحقها من تداعيات سلبية واسعة وطويلة الأمد في ابتعاد رؤوس الأموال عن الاقتصادات الأكثر تضرّراً من الأزمة، خاصّة تلك الاقتصادات الواقعة في بؤرة الأزمة، كالاقتصادات الأوروبية والأميركية واليابانية، التي تعرّضت في بدايات الأزمة إلى انهيارات واسعة في أسواق المال، وانفجارات متعدّدة في أسواق العقارات والأصول بمختلف أنواعها. وفي مثل هذه الظروف برزت إلى الواجهة بعض الاقتصادات ذات الأداء المستقرّ كملاذات استثمارية جاذبة، وباتت تمثل وجهات مفضلة لرؤوس الأموال المتنقلة عبر الحدود، وتركزت هذه الاقتصادات بشكل واضح في منطقة شرق آسيا، التي تضم عدداً من الاقتصادات الصاعدة، التي استطاعت المحافظة على النمو بمعدلات كبيرة، كالاقتصاد الصينيّ، والاقتصاد الهندي، والاقتصاد الكوري الجنوبيّ، والاقتصاد الماليزي، كما اتجهت بعض هذه الاستثمارات بشكل واضح أيضاً إلى قارة أميركا الجنوبية، وبالتحديد إلى الاقتصاد البرازيليّ، والاقتصاد الأرجنتينيّ، اللذين استطاعا إثبات جدارة كبيرة برغم الأزمة، كما برزت على السطح في تلك الظروف اقتصادات دول الخليج العربيّة ككتلة اقتصادية ناشئة، ولديها فرص واعدة للنمو والازدهار، وقد استطاعت هذه الاقتصادات بدورها الاستفادة ممّا لديها من سيولة مالية كبيرة كانت قد راكمتها خلال سنوات الطفرة النفطية التي سبقت "الأزمة المالية العالمية"، ووظّفت هذه السيولة بشكل ساعد اقتصاداتها على المحافظة على أدائها المستقر برغم الأزمة، ومن ثمّ الخروج من أسوأ مراحل هذه الأزمة من دون خسائر مؤثرة. ومن بين كل مجموعة من مجموعات الاقتصادات الصاعدة والناشئة المذكورة كان هناك أحد الاقتصادات الأكثر تميّزاً، والأكثر بروزاً بين مجموعته، فكان الاقتصاد الصينيّ هو الأبرز في شرق آسيا، وكان الاقتصاد البرازيلي هو الأبرز في أميركا الجنوبيّة، وكان اقتصاد إمارة أبوظبي هو الأكثر بروزاً بين اقتصادات منطقة الخليج العربية، ولم يكن تميّزه خلال الأزمة إلا جزءاً من مسيرة طويلة من التميز امتدت إلى ما يقرب من عقد من الزمان، اختتمها في عام 2010 بتحقيق نمو كبير فاق الـ(16%) في ذلك العام، وقد استطاع بفضل هذا الأداء طول تلك الفترة أن يجتذب كمّاً كبيراً من الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية، وقد قدر حجم تدفقات تلك الاستثمارات إليه على مدار السنوات الثماني الماضية بنحو 100 مليار درهم، كان منها نحو 10 مليارات درهم في عام 2010 وحده، وهو ما يدلّل على أنه قد استعاد بالفعل بريقه، وبدأ في استغلال فرصة التغيّرات التي تشهدها خريطة الاستثمار العالمية، وتعظيم حصته من التدفقات الاستثمارية بما يتناسب مع أدائه الاقتصادي الواعد. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.