من كان يتصور في يوم من الأيام أن المارة سيشاهدون في أكثر أحياء إسطنبول فناً وليبرالية، وهو حي "تشيهانجير"، حائطاً مغطى بالرسوم والكتابات التي تقول ببساطة مرعبة: "اقتلوا جميع الأكراد"؟ لقد جاء هذا اليوم في فترة مبكرة من هذا الشهر. ذلك أن النزاع القائم منذ ثلاثين سنة مع الأكراد الانفصاليين أوجد مرتعاً مثالياً للعنصرية. ومن المعروف أن عديداً من الأكراد، المختلفين عرقيّاً عن غالبية الأتراك، يدعمون حركة سياسية تهدف، ضمن أمور أخرى، إلى تشريع استخدام اللغة الكردية وتوسيع حقوق الأكراد في المجال العام. وقد تبنت جماعة متطرفة هي "حزب العمال الكردستاني" أجندة انفصالية، واستخدمت العنف ضد القوات التركية والمدنيين، الأمر الذي أثار صدامات متقطعة بين الحزب والحكومة التركية طيلة العقود الأربعة الماضية. وقد جرت محاولات عديدة لنزع فتيل هذا النزاع. فعلى سبيل المثال، في عام 2002، رفع رئيس الوزراء أردوغان حالة الطوارئ في المناطق الكردية في شرق تركيا، وبدأت حكومته عام 2009 ما أسماه بـ"الانفتاح الكردي"، وهو توجه متعدد الجهات للحد من التوترات بين الحكومة التركية ومواطنيها الأكراد. كما بدأت محطة التلفزة التركية الرسمية فور ذلك بالبث باللغة الكردية، ووفرت العلاقات الاقتصادية والسياسية مع حكومة كردستان العراق مناخاً أكثر سلمية وديمقراطية يدعمه علناً بعض المفكرين الأتراك والأكراد. إلا أن الأمور بدأت تتراجع خلال السنتين الماضيتين بشكل يدعو للانزعاج، مما أدى إلى خلافات بين السياسيين الأتراك والأكراد. وُصفت بعض مناورات أردوغان السياسية من قبل السياسيين الأكراد بالفاشلة، بينما جرى اتهام الأكراد باتباع أجندة لا حلول وسط فيها. وزاد بعد ذلك بشكل كبير. وفي مثل هذه الأجواء المحتقنة تقع مسؤولية إيجاد حلول ديمقراطية سلمية على الأكراد والأتراك معاً. وقد أثبت العنف السياسي، وسط دوامة الفعل ورد الفعل، أنه ضار جداً للجميع، وأنه لا يفيد في دعم الحقوق الكردية. ويمكن لوضع حدّ للهجمات العدائية تجاه القوات الأمنية التركية أن يساهم في حلحلة الجمود الحالي. ومن المعروف أن بعض السياسيين الأكراد يتمتعون بتأثير كبير على شعبهم. ويستطيعون بذل جهود أكبر في هذا الاتجاه الإيجابي. وليس صعباً، بطبيعة الحال، الإجابة على السؤال: "ما الذي يريده الأكراد؟"، فهم يقولون إنهم يسعون لضمان حضور أكبر لهم في المجال العام. وأمام هذا الطموح قد تقف بعض الحدود الانتخابية التركية، حيث تستثني الأحزاب التي تنال أقل من 10% من مجمل الأصوات من دخول البرلمان، ولذا يصبح من الصعب على الأحزاب الصغيرة نسبيّاً، مثل "حزب السلام والديمقراطية" ذي القاعدة الكردية، المشاركة في المشهد السياسي. ولذا يتعين التخلص من مثل هذا العائق للسماح بتمثيل سياسي منتخب ديمقراطيّاً للمجموعات السياسية المنتمية للأقليات. ومفهوم أن خيارات العنف والقوة ليست حلاً بل هي مشكلة، والحل الحقيقي لمعظم النزاعات من هذا النوع إنما يكمن في اجتراح أجندة سياسية جديدة طموحة. وبالنسبة للأتراك والأكراد لن تكلل خطوات أخرى بناءة على هذا الطريق سوى القليل، مما يسمح لتركيا بالفوز بالسلام الذي تستحقه وتسعى لترسيخه منذ فترة طويلة، والذي يؤمل أن يمحو بشكل لا رجعة فيه الكتابات المرعبة على جدران الماضي. كايا غينش روائي وعالِم مقيم في إسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية