تكاثف الضغوط على النظام السوري... وخيارات احتواء النووي الإيراني توجس بعض الجهات الغربية من "أسلمة" الربيع العربي، وعودة الحديث عن احتمال توجيه ضربة لبرنامج إيران النووي، واستمرار ضغوط الجامعة العربية على النظام السوري، موضوعات ثلاثة -ذات صلة بالمنطقة- استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أفق "الثورات" الكاتب "إيفان ريوفول" أثار في صحيفة لوفيغارو مخاوف تنتاب اليوم بعض الساسة والمحللين الغربيين من أن تكرس التحولات الراهنة في بلدان الربيع العربي حضوراً طاغيّاً للجماعات الأصولية، وفي تحليل بعنوان: "فرنسا لا تستطيع أن تضمن الأسلمة المعتدلة للربيع العربي" قال الكاتب إنه لا يتفق مع بعض المراقبين في فرنسا ممن يرمقون بتعاطف الخطوات الأولى للديمقراطية المسلمة مع مجيء الإسلاميين للحكم في تونس، وليبيا، وغداً في مصر. ومضى الكاتب اليميني مستطرداً: لقد صفقتُ بحرارة للربيع العربي في البداية نظراً لوعوده بالحرية والعلمانية.. كما دعمت التدخل العسكري الفرنسي ضد العقيد القذافي لأنه كان حقاً طاغية على شعبه... ولكنني الآن أشعر بأنني ربما قد أفرطتُ في التقدير والتفاؤل. وطبعاً لاشيء الآن يضمن أن يكون الجار التركي هو النموذج الإرشادي لإسلاميي دول الربيع العربي. هذا فضلاً عن كون "المنظور الإسلامي المعتدل" الذي يمثله أردوغان يبتعد هو أيضاً الآن بشكل متواتر وملحوظ عن إرث أتاتورك الحداثي. بل إن الفنان التشكيلي بدري بايكام، الذي اغتيل بإسطنبول في شهر إبريل الماضي، قالها بوضوح، حين وصف قادة "حزب العدالة والتنمية" بأن: "إرادتهم الديمقراطية ليست سوى واجهة. إنهم يريدون استغلال الديمقراطية للقضاء عليها". وبالنظر إلى هذا فإن على فرنسا وساستها ومثقفيها الرهان على ديمقراطيين مسلمين حقيقيين لأن ما يجري الآن من دعم لما يفضل البعض تسميته بـ"الإسلاموية المعتدلة" ليس من شأنه التكشف عن أفق ديمقراطي حقيقي يكون حصيلة مقبولة لتحولات الثورات العربية، وما يعلق عليها الآن من آمال وأشواق إصلاح. حدود الخيار العسكري تحت هذا العنوان استعرض الكاتب "آلان ديكوف" في صحيفة لوموند حدود الممكن والمتعذر بشأن احتمال توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني، مشيراً في بداية تحليله إلى أن الكاتب الإسرائيلي الشهير نحوم برنياع، القريب من دوائر صنع القرار في تل أبيب، كان قد رصد في نهاية شهر أكتوبر الماضي إشارات على وجود ميل متنامٍ لدى نتنياهو ووزير دفاعه باراك لتوجيه ضربة إلى البرنامج النووي الإيراني. هذا على رغم كونهما ما فتئا يؤكدان في الوقت نفسه أن أي قرار ملموس ومحدد ما زال لم يتخذ بهذا الصدد حتى الآن. ثم جاء تحذير بيريز مؤخراً من أن احتمال توجيه ضربة من هذا القبيل يزداد يوماً بعد يوم. وقد أثارت هذه الإشارات والتحذيرات مخاوف جديدة من أن تكون حرب إقليمية أخرى آتية في الأفق. ويمكن طبعاً فهم أسباب عودة "المسألة النووية الإيرانية" مجدداً إلى الواجهة في ضوء تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير الذي وجّه لأول مرة بشكل صريح تقريباً تهماً لطهران بالعمل لحيازة القنبلة النووية. ولكن ما العمل إزاء هذا التحدي؟ بطبيعة الحال -يقول الكاتب- لاشك أن أفضل خيار للفكاك من أية أبعاد عسكرية للبرنامج النووي الإيراني هي أن تتعاون طهران نفسها مع الوكالة بكامل الشفافية المطلوبة، من خلال الإقدام على "تدابير بناء ثقة" بين الجانبين! ولكن للأسف، لا شيء يدعو للاعتقاد بأن طهران ستقبل اليوم ما رفضته بالأمس في هذا الصدد. وفي ضوء ذلك لا يبقى سوى أحد طريقين. يتمثل الأول في تصليب وتوسيع العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وهي عقوبات سبق فرض أربع دفعات منها منذ سنة 2006 دون أن تؤدي إلى النتيجة المرجوة. وهذا السيناريو هو المفضل بالنسبة للمجتمع الدولي، لأنه يسمح بتكثيف الضغط على طهران مع تجنب تعريض المنطقة لحالة عدم استقرار ستترتب على أي تدخل عسكري. ولكن المشكلة هنا أن أي تصليب لعقوبات متعددة الأطراف سيواجه هو أيضاً معارضة من قبل روسيا والصين، غير المتحمستين لهذا التدبير. أما الطريق أو الخيار الثاني فيتمثل فيما كثر الحديث عنه مؤخراً، أي توجيه ضربة استباقية ضد إيران. وهذا خيار لم يضعه الغربيون على الطاولة، في حين ظلت إسرائيل تلوح به منذ سنة 2006، دون أن تترجم الأقوال فيه إلى أفعال. ومن الناحية العملية البحتة فليس تنفيذ هذه الضربة من قبل إسرائيل بذات السهولة التي صادفتها خلال هجومها على مفاعل تموز العراقي في يونيو 1981، ما أدى إلى عرقلة البرنامج النووي لذلك البلد إلى حد كبير، ذلك أن أية ضربة ضد برنامج إيران النووي ستكون أقل فاعلية وتأثيراً بالنظر إلى تشتت مواقعه وتوزعها على أماكن متباعدة، والحماية التي يتمتع بها. وزيادة على هذا فإن بعد إيران الجغرافي يجعل إنجاز المهمة أكثر تعقيداً. وأقصى ما تستطيع إسرائيل تحقيقه، بحسب الخبراء، هو عرقلة البرنامج النووي الإيراني وتأخيره فقط، في حين سيكون الثمن الذي سيتعين على إسرائيل وعلى استقرار المنطقة دفعه باهظاً للغاية. والمخاوف من اندلاع حالة عدم استقرار عارمة هي الدافع الثاني الذي ما زال يدفع الإسرائيليين حتى الآن نحو توخي مزيد من الحذر. فعلى عكس العراق سنة 1981 تمتلك إيران وسائل رد: صواريخ شهاب 3، التي يبلغ مداها 1300 كلم، ويمكن أن تصل الأراضي الإسرائيلية. هذا زيادة على أن إيران تستطيع أيضاً الرد من خلال "حزب الله" اللبناني القادر على قصف شمال إسرائيل. وفي الأخير يؤكد الكاتب أن القادة الإسرائيليين رفضوا قطع أي التزام لنظرائهم الغربيين بالامتناع عن أي إجراء من جانب واحد ضد إيران، وإن كان أيضاً الجدل المحتدم في إسرائيل بشأن هذا الأمر يمارس ضغطاً إضافيّاً آخر على الساسة، ما يجعل القرار الأخير في النهاية غير قابل للتنبؤ بشكل قاطع. مخاض الربيع السوري اعتبر الكاتب "مارك سيمو" في افتتاحية صحيفة ليبراسيون أن قرار الجامعة العربية الأسبوع الماضي تجميد مشاركة الوفود السورية في أعمالها يفرض في الواقع على الأمم المتحدة الخروج عن صمتها. فقد وجهت المنظمة العربية رسالة قوية، وغير مسبوقة، إلى النظام السوري وجعلته أكثر عزلة حتى في المحيط العربي نفسه. وبتجميد العضوية بدا أن الجامعة استجابت أخيراً لمطالبات المعارضة السورية، كما يتوقع أن تستمر في هذا الاتجاه بفرض عقوبات مؤثرة إذا لم تتم الاستجابة لمبادرتها لإنهاء الأزمة. وقد أكد نبيل العربي، دون أن يخوض في التفاصيل، أن منظمته تدرس "إيجاد آلية لحماية المدنيين في سوريا". والحقيقة أن هذه المواقف تمثل منعطفاً تاريخيّاً في أداء المنظمة العربية، التي عرفت أصلاً بمراعاة حساسيات النظم وعدم التدخل بشكل قاطع في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. وليس هنالك شك في أن السابقة الليبية، حين جمدت الجامعة عضوية نظام القذافي في 22 فبراير، كانت استثناء لأن القذافي ظل لأمد طويل يعتبر عامل عدم استقرار وزعيماً منفلتاً وخارجاً عن السيطرة. أما القرار الذي اتخذ يوم السبت قبل الماضي، بأغلبية ساحقة (18 دولة) ضد سوريا فهو موجه لدولة مهمة في النظام الإقليمي، وهذا هو الجديد، وسيبقى التجميد ساريّاً طالما لم تطبق دمشق الخطة العربية لإنهاء الأزمة بشكل كامل. والحاصل أن هذه الفاعلية في أداء الجامعة العربية من شأنها بعث روح المبادرة مجدداً في أروقة الأمم المتحدة، التي أطالت السكوت حتى الآن على ممارسات النظام السوري، وهو سكوت لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، بطبيعة الحال. إعداد: حسن ولد المختار