تستدعي خطط خفض العجز المالي المطروحة حالياً على طاولة النقاش في واشنطن تقليص ما لا يقل عن 400 مليار دولار من نفقات الدفاع بدءاً من عام 2013 لتمتد طيلة العقد المقبل. ولتحقيق هذا الهدف لا بد من بذل التضحيات واتخاذ قرارات صعبة، لكن لتفادي المس بالقطاعات الأساسية في منظومتنا الدفاعية والمتمثلة في القوة التقليدية التي يوكل إليها بالعمليات القتالية علينا التركيز على الترسانة النووية، هذه الترسانة التي مع الأسف وافقت إدارة أوباما خلال السنة الماضية على رفعها عندما وقعت على اتفاقية الحد من الأسلحة النووية مع روسيا بسبب الضغط الذي مارسه الكونجرس على أوباما، وذلك لتعويض الرؤوس النووية التي تم التخلي عنها بموجب الاتفاقية الموقعة مع موسكو، وهي سياسة خاطئة في وقت نواجه فيه عجزاً مالياً وضغوطاً تقشفية كبيرة. ولا يعني ذلك أن هذا التقشف الذي بات عنوان المرحلة سيدفع إلى المس بأساسيات القوة النووية الأميركية، بحيث يتعين على قوتنا الاستراتيجية الحفاظ على متانتها وتقدمها على نظيرتها الروسية، ليس خوفاً من اندلاع حرب باردة أخرى بين العدوين القديمين، بل فقط لإقناع روسيا بلا جدوى استعراض عضلاتها في الجوار، هذا بالإضافة إلى الحاجة الملحة اليوم لإنفاق فعال على القوة النووية تستهدف القطاعات المتطورة والصواريخ التي لا تتطلب إجراء تجارب عليها لادخار المال والحيلولة دون تضخيم النفقات. بيد أن الحرص على القوة الاستراتيجية للولايات المتحدة عليه ألا يقودنا إلى المبالغة في التسلح النووي ذي الكلفة العالية، فأميركا تستطيع بموجب الاتفاقية الاحتفاظ بحوالي 1550 رأساً نووياً، والحال أننا لا نحتاج إلى كل هذه الترسانة ولكل هذه الرؤوس النووية والإبقاء على فائض من الأسلحة الاستراتيجية فقط، لأن الاتفاقات الدولية تسمح بذلك، كما لا نحتاج إلى التحوط كثيراً من القدرات الروسية في هذا المجال، إذ يكفي أسطولنا من الطائرات القاذفة التي توفر ضمانة كافية ضد المراوغات الروسية والتي في جميع الأحوال لن تصل إلى درجة الاستفزاز نفسها التي كانت عليه إبان الحرب الباردة. لذا بات مطلوباً اليوم من واشنطن تغيير فلسفتها في مجال التسلح النووي وذلك بالانتقال من فكرة تطوير كل تفاصيل الترسانة إلى الاعتماد على مقاربة اقتصادية تسمح لنا بالاحتفاظ بالتوازن الضروري مع روسيا وخفض العجز، فلا داعي مثلًا للتركيز على كل جزء في الثلاثي النووي المكون من الصواريخ عابرة القارات والصواريخ البحرية التي تنطلق من الغواصات، والقنابل المحمولة بالطائرات، بحيث يمكن تقليص الاعتماد على ركن من تلك الأركان والحد من عدد الغواصات التي تبلغ اليوم 14 غواصة نووية إلى ثمانية غواصات دون أن يعني ذلك مساساً بقدرتنا النووية، كما يمكننا تطوير الصواريخ نفسها لتحمل أكثر من رأس نووي، ناهيك عن رفع قدرة الغواصات على حمل الصواريخ وبالتالي تقليص عددها، وبالنسبة للصواريخ الأرضية فإنه يمكن شطب العديد منها وإحالتها إلى التقاعد للتقليص من الكلفة الإجمالية للترسانة النووية، وبدلاً من الاعتماد على تلك الصواريخ يمكن تقليصها إلى النصف مع الاعتماد أكثر على القنابل المحمولة بالطائرات. وفي هذا السياق أيضاً يمكن تمديد ترشيد الترسانة النووية إلى ما تملكه وزارة الطاقة من برامج التطوير النووي الموجهة لأغراض عسكرية، فهي اليوم تملك خططاً مكلفة جداً تهم تطوير أسلحة نووية باستخدام البلوتونيوم. ففي الوقت الذي تنخفض فيه الترسانة النووية الأميركية لن نكون في حاجة إلى استخدام مكثف للبلوتونيوم ولا إلى منشآت جديدة لمعالجته، وهنا يمكن وقف العمل في مختبرين لتطوير السلاح النووي في "لوس ألاموس" و"ليفرمور" بكاليفورنيا وسحبهما من الخدمة تدريجياً. ويتم الاكتفاء بالمختبر الوطني بسانديا في "نيو مكسيكو" لدعم الأبحاث الجارية في المجال النووي، ولمزيد من ترشيد النفقات وخفض الكلفة الإجمالية يمكن أيضاً تقليص عدد الصواريخ الدفاعية، فرغم استمرار الحاجة للمنظومة الدفاعية بكل ما تضمه من صواريخ وأهميتها في الدفاع عن أميركا، إلا أنه في الوقت نفسه يجب الاعتراف بالمبالغة الحالية في تمويلها، بحيث صار لأميركا أكثر من منظومة متطورة، بل إن البرامج الموجودة أصلًا تشمل الأنظمة الاستراتيجية الأرضية في كاليفورنيا وألاسكا، وأنظمة أخرى منفصلة متمركزة في البحر والبر، بالإضافة إلى برنامجين بريين للصواريخ قصيرة المدى، لذا يمكن حذف على الأقل برنامج واحدة من تلك البرامج المتعددة دون الإضرار بالأمن القومي الأميركي، فكم يمكن لهذه المراجعة في ترسانتنا النووية أن توفر لأميركا؟ حسب التقديرات ستدخر أميركا بين 30 إلى 35 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، ليمثل 10 في المئة من التقليص الضروري في نفقات الدفاع، وهو بكل تأكيد أفضل من زيادة الإنفاق على الترسانة النووية بحوالي 80 مليار دولار، التي تم الاتفاق عليها في العام الماضي بعد التوقيع على اتفاقية الحد من الأسلحة النووية مع روسيا. ولا شك أن هذه المراجعة المهمة لأسلحتنا الاستراتيجية باتت تمثل التغيير الضروري في سياستنا التي يتعين على الجيش والسياسيين الانخراط فيها للنهوض بالتحدي رقم واحد الذي يواجه أمننا القومي والمتمثل في الوضع المالي والاقتصادي المزري الذي وصلت إليه الولايات المتحدة. ------ مايكل أوهالون مدير أبحاث السياسية الخارجية بمعهد بروكينجز ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"