بغض النظر عن صوابية أو عدم صوابية القرار اللبناني بالتصويت الاعتراضي على تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، فإنه شكل مادة انقسام جديدة بين اللبنانيين. والانقسام بلغ مرتبة من الحدة تنذر بخطر كبير. وقد كانت بداية الأمر في المقابلة التلفزيونية التي جمعت على شاشة الـ MTV نائباً سابقاً ووزيراً سابقاً، كالا لبعضهما الشتائم واستخدما الكلام البذيء، وكادا يتضاربان بالكراسي والناس يشاهدون كل ذلك على الهواء مباشرة! أوقف المذيع الحلقة. ثم أعيد البث ليقول: "كل شيء في الاستوديو هادئ! ويعتذر باسم المشاركين عما جرى"! فذكّر بما كان يجري وللأسف خلال فترات أو جولات الحرب بين اللبنانيين. لقد فعل ما يمكنه فعله، لكن الحقيقة، الوضع لم يكن هادئاً. لم يكن أحد يضمن تكرار المشهد. الاحتقان موجود في الداخل، وبين المرافقين في الخارج، وفي أوساط الناس فكان القرار بوقف بث الحلقة! لقد صدم المشهد الناس القلقين. لكن الخطير أن الفريق المناصر للنائب اعتبر عمله بطولياً وهنأه والفريق المناصر للوزير اعتبره شجاعاً ومقداماً في مثل هذه الظروف! وهذا وجه من وجوه الخطر الذي يحيط بالمناخ السياسي العام في البلاد. وقد ترافق هذا المشهد مع كلام لمسؤولين سياسيين يحذر من خطر عودة الحرب بين اللبنانيين، وتسريبات عن تهديدات واستقواء بالشارع من هنا وهناك. كنت أول من حذر من خطأ الدخول المتوتر على خط ما يمكن أن يحدث في سوريا. وكان ذلك قبل بداية الأحداث فيها وعندما أطلت علينا الرياح من تونس ثم من مصر. نحن لسنا منعزلين عما يجري هناك. نحن نتأثر بكل شيء. الحدث يفرض نفسه. لكل منا وجهة نظر. وقد نتفق وقد نختلف. ولكن يجب أن نعرف كيف نتصرف. كيف نتدارك الأسوأ. كيف نتجنب الإنزلاق نحو الفتنة أو الحرب كما يقول البعض والقول خطير وإن كان تطور الأحداث قد يأخذنا إلى ما لا تحمد عقباه إذا استمر التعاطي معها على ما نشهد اليوم. مجدداً نفتقد أمرين: الأول رجال كبار في السياسة في البلد في المواقع المؤثرة والتواصل بينهم بالمباشر أو غير المباشر لتدارك الخطر. لا يمكن للبلد أن يستمر وينجو من المخاطر إذا استمرت عملية الضخ اليومي لكل مفردات وعناصر التحريض والاتهام والتخوين والتشكيك وبالتالي الانقسام والفتنة. وواقع الدولة ومؤسساتها أضعف من أن يستوعب حادثاً صغيراً ولو كانت الأمور ممسوكة حتى الآن، ولكن من يضمن في مثل هذه الأجواء فلتاناً؟ لو كانت الظروف عادية والمواقف موحدة لكان من الضروري اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية لحماية لبنان مما يجري حوله فكيف والحدث في المحيط كبير وخطير ونسمع كلاماً عن أن شظاياه ستزلزل المنطقة، والوضع الداخلي عندنا على ما هو عليه من انقسام! من دروس السياسة في لبنان والتي ينبغي ألا ينساها ويقفز فوق وقائعها أحد: قنوات التواصل، والحوار بين اللبنانيين يجب أن تبقى مفتوحة. لا حوار بالمباشر؟ مقلق حصول ذلك. لكن لا يجوز أن تتوقف المساعي والاتصالات والمبادرات لاستعياب ما يجري على الأقل. لقد وقعت تفجيرات في مدينة صور في الجنوب. وهي مدينة هادئة جميلة منفتحة ترتادها بشكل كثيف العناصر التابعة لليونيفيل. ساد قلق في أوساط الناس لاعتقادهم أن الأمر يستهدف هذه القوات. لكن قيل لاحقاً إنه رسالة للتوقف عن بيع الكحول. وهذا أمر غير مقبول لأن الذي يرعى شؤون الناس ويطبق القوانين هو الدولة إضافة إلى ضرورة احترام مشاعر وحريات الناس. لكن يجب ألا ننسى أن حوادث سابقة حصلت مع اليونيفيل، وكانت تحذيرات من بعض الدول باللجوء إلى قرار لسحب عناصرها من هذه القوات. ومنذ أيام سمعنا دعوة من قبل أمين عام الأمم المتحدة للدولة اللبنانية لإعطاء الجيش اللبناني حصة من دور هذه القوات! هل الدعوة بريئة؟ عادية؟ أم أن ثمة شيئاً يقلق الأمين العام؟ أم أن ثمة توجهاً لتخفيض عدد القوات لسبب أو لآخر؟ وبالتالي هل ثمة شيء ينتظرنا من الجنوب؟ وفي مناطق أخرى شهدنا تظاهرات وتحركات تطالب بالدولة ومؤسساتها لتحمل المسؤولية. وهذا أمر جيد من ناحية أن اللبنانيين يشعرون أن لا بديل عن الدولة. ولكنه يعبّر عن غياب الدولة أو تقصيرها أو تراجع فكرة العودة إليها. والمسألة هنا شائكة. متشابكة فيها العناصر السياسية والنفسية والاقتصادية والحياة اليومية للناس. لكن الدولة تبقى هي الضامن وهي الأساس وهي المرجعية والملاذ! نحن على مفترق طرق. تحيط بنا الأخطار من كل الجهات. تهديدات إسرائيل يومية ولا تتوقف. استهدافاتها لثرواتنا وأرضنا قائمة ودائمة. انعكاسات الحدث السوري علينا كبيرة. والتشابكات الإقليمية والدولية في حسابات التعاطي مع هذا الحدث كما في النظرة إلى إسرائيل وموقعها ودورها، معقدة ومؤثرة علينا في لبنان. وعوامل انقسامنا الداخلي عديدة وكبيرة وخطيرة ولكل واحد منها امتداد على تلك التشابكات والتقاطعات. ألا يكفي كل ذلك لتدارك تجارب جديدة وتقديم تنازلات من الجميع وابتعادهم عن المكابرة والتحدي والتحلي بشيء من الشجاعة والواقعية لحماية التسوية اللبنانية؟