أعتقد أن من يقرأ كتب عضو الكونجرس الأميركي السابق بول فندلي، ويتمعن في أفكاره وطروحاته المناصرة للحق الفلسطيني في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، سيلاحظ أن هذا السياسي كان يريد من الولايات المتحدة أن تنصف العرب وأن تكسب علاقاتها بهم، على طريق السعي لخلق نوع من العدالة في السياسة الدولية. فهو يؤكد في طروحاته أن جوهر المشكلة يكمن في خضوع السياسة الأميركية لتأثير اللوبي اليهودي، ويقول حرفياً في مذكراته: "إن تواطؤ حكومتنا مع إسرائيل في الإساءة إلى الفلسطينيين هو أساس المشكلة"، ثم يضيف: "إن للفلسطينيين شكاوى مشروعة ضد حكومتنا، غير أن هذه الشكاوى لم تلق تفهماً أميركياً رسمياً، والأخطر منه أنها لم تلق حتى إنصافاً". لقد أدرك فندلي بحسه السياسي خطورة الحالة الصهيونية، ومستوى التأثير اليهودي على مفاصل القرار الأميركي والسياسة الخارجية لواشنطن، كما لاحظ الأمرين معاً الكثيرُ من العلماء والمفكرين الأميركيين مثل ستيفن والت وجون ميرشايمر على صفحات كتابهما "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية". لذلك نجد فندلي يحذر من تجاهل مثل هذا التأثير وخطورته على حالة الأمن القومي الأميركي والسلم العالمي، وعلى الأخص العلاقة الأميركية العربية، فغالبية قادة إسرائيل، حسب فندلي، يتميزون بالكذب والخداع، وذلك ما أكدته مؤخراً المستشارة الألمانية ميركل حين قالت إنها "لا تصدق أي كلمة ينطق بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو". لقد حاول فندلي أن يشرح الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة، كقوة عظمى، تستمر في الخضوع للوبي الإسرائيلي، وفي تمويل السلوك الإسرائيلي حيال العرب، وأن يطرح العديد من علامات الاستفهام حول مثل هذه السياسة، ليؤكد أن الإسرائيليين لم يريدوا في أي وقت من أوقات الدولة العبرية محادثات النيات الطيبة مع الفلسطينيين، بل أرادوا بدلاً من ذلك "مفاوضات" مستمرة ومفتوحة تتيح لهم الوقت لتوسيع المستوطنات اليهودية في فلسطين المحتلة. وكشف فندلي في كتابه "أميركا في خطر"، أنه من خلال تجربته الطويلة في الكونجرس لاحظ استحالة إجراء نقاش حضاري حول القضية الفلسطينية في أي مكان من الولايات المتحدة. كما لاحظ، من خلال احتكاكه الطويل باللوبي اليهودي في المجتمع الأميركي، وبخاصة "آيباك"، أن النخبة اليهودية تتمتع بنوع من الدهاء السياسي، لذلك أخذ يرسل نصائحه وتحذيراته للبيت الأبيض، لاسيما خلال أحاديثه إلى إدارتي جونسون وكارتر وكبار مستشاريهما عندما كان يذهب إلى البيت الأبيض لمناقشة موضوعات تتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية، حيث كان ينبه إلى الكلفة التي تدفعها أميركا من مصالحها الوطنية نتيجة لسياستها الشرق أوسطية المنحازة إلى إسرائيل. لكن حسب فندلي فإن أجوبة المسؤولين الأميركيين لم تكن صريحة ولا موضوعية. لكن تحذيرات فندلي لم تكن لتتوقف عند الرؤساء الأميركيين، بل كان يسطرها في العديد من الكتب التي أصدرها حول هذه القضية، كما يتحدث عنها في العديد من المحاضرات التي كان يلقيها أينما ذهب، وكل ذلك بعد أن شعر بضرورة السعي إلى مزيد من الفهم لدور اللوبي الصهيوني في تحريك سياسة أميركا الخارجية. وكأنه بذلك يقول: يتعين علاج المرض من جذوره! النخبة اليهودية من جانبها أخذت تنظر إلى فندلي بريبة وحذر وبنوع من النفور والكراهية، بل وضعته في قائمة "أعداء إسرائيل"، وجندت وسائل إعلامها للنيل منه، إلى درجة أن الصحف اليهودية الكبرى تصفه باعتباره "معادياً نشطاً للسامية"، وتصنفه على أنه من أشد الأعداء الذين واجههم اليهود وإسرائيل في تاريخ الكونجرس الأميركي. وهكذا فقد دفعوا الكثير لتمويل حملات عدائية ضد انتخابه، ووصل الأمر إلى حد تهديده.