يقول الكاتب الإسرائيلي "إيتان هابر" في مقال حمل عنوان "أهذا عصر الرماديين؟": "الأزمة عندنا في الداخل ليست سياسية ولا أمنية ولا اقتصادية -اجتماعية. الأزمة أزمة قيادة. المقولة الأكثر تهافتاً وغوغائية في إسرائيل هذه الأيام، إزاء الصورة المعوجة في عرض الزعامة، هي أن اليمين واليسار مجرد هباء، وأن الرف فارغ، وأنه لا يوجد فوقه زعماء مؤهلون، أو من يُتوقع أن يصبحوا زعماءَ وطنيين". ويتساءل متهكماً: "فماذا نفعل إذن؟ الجواب: إذا لم نستورد أو نستأجر زعماء من الخارج (مثل بيل كلينتون) فسنبقى مع الموجودين. وربما لا يكون هذا سيئاً جداً كما يعتقد كثيرون. قد تكون هذه الخطوة التي من الصواب فعلها، وربما - بعد نتنياهو إذا حان يوم انتخابات أو قضاء من السماء- يكون هذا عصر الرماديين". في هذه الأيام، لا تتجاوز شعبية نتنياهو في استطلاعات الرأي العام 30 في المئة، باستثناء أسبوع هنا وأسبوع هناك بسبب "خبطة" سياسية أو إعلامية ترفع تلك النسبة قليلاً. وفي مرات كثيرة، خلال السنتين ونصف السنة الأخيرة، كان ربع الجمهور فقط راضياً عن أدائه بصفته رئيس الحكومة. وهذه درجة منخفضة، فنسبة الراضين عن أداء أريل شارون حين كان رئيس الحكومة لم تنخفض دون 50 في المئة، وعن أداء أولمرت دون 40 في المئة. بيد أنه تسجل في حالة نتنياهو بين الفينة والأخرى قفزات للشعبية. ويفسر الكاتب "سيفر بلوتسكر" هذا الأمر على نحو مختلف وطريف حيث يقول: "إن تفسيري لرسم شعبية نتنياهو المتعوج يربط الاهتزازات بالصراع الدائر بين (بيبي القديم) و(بيبي الجديد). فحينما تكون يد بيبي الجديد هي العليا، تقفز شعبيته إلى أعلى. وحينما يتغلب بيبي القديم ويسيطر على رئيس الوزراء، يسبب قطيعة بينه وبين الجمهور. ويحدث هذا لأن الجمهور، بمختلف الدرجات التي يعطيها لنتنياهو، يؤدي إليه رسالة تقول: دع حماقاتك العقائدية وأصغ إلينا". ويضيف: "حينما يتبنى نتنياهو مبدأ الدولتين، يرفع نسبة الراضين عن أدائه. ويحدث له شيء مشابه حينما يتبنى دعوة الرباعية الدولية إلى محادثات مع الفلسطينيين ومخطط التفاوض مع حماس، ويسهم بذلك في إطلاق شاليط. ويرتفع تأييد نتنياهو الآن أيضاً لأنه تبنى خطوات اقتصادية تناقض كلياً تصور بيبي القديم: فهو يرفع نسبة ضريبة الدخل ويزيد المخصصات". والآن، ومع انقضاء العطلة الصيفية للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، ها هو نتنياهو يستعد لمواجهة مشروعات قوانين عنصرية: "أفضلية خريجي الجيش في الخدمة الوطنية في القبول لجهاز الدولة"، "اقتراح تعديل قانون المواطنة الذي يفرض إعلان الولاء لدولة إسرائيل باعتباره شرطاً للحصول على جنسية إسرائيلية"، و"اقتراح منح وزير الداخلية صلاحية نزع الجنسية عن شخص يعمل ضد دولة إسرائيل". لكن ربما يكون إخلاء ما يسمى "البؤر الاستيطانية العشوائية" الشغل الشاغل للكنيست في الأشهر القريبة. فكل إخلاء ينفذ، بل وكل تقدم في "مسيرة التسوية" (إن حدث)، وحتى التعامل الدولي مع "دولة فلسطين"... ستثير انتقامات على أيدي "تنظيم" فاشي معروف باسم "شارة ثمن". وهذا كله قد يعكر صفو نتنياهو. ويقول أستاذ السياسة بجامعة بن غوريون (نيفي غوردون): "الحكومة تعاني من الاضطراب، والمعارضة في إسرائيل تعتبر نتنياهو مسؤولا، وهي تلومه لأنه لا يملك أي رؤية سياسية". أما أستاذ السياسة بالجامعة المفتوحة (دينيس شاربيت) فيقول إن نتنياهو "يُلام لأنه لا يملك ذكاءَ أسلافه، فهو لم يفلح في مجرد توقيع اتفاق سلام يُحدث بعض التغيير على الأقل، ويعطي مؤشراً على أن الإسرائيليين يملكون نوايا سليمة". أما "دان شيلتون" فيستخلص: "المظاهرات الجماهيرية التي تجتاح البلاد يا سيدي رئيس الوزراء، ستجتاحك أنت أيضاً. الأرنب الجديد الذي امتشقته لتخفيض الضرائب غير المباشرة، يدل كألف شاهد على الهستيريا التي المت بك. متأخر أكثر مما ينبغي. شيء لن يوقف الاحتجاج. اذهب إلى الرئيس يا بيبي لتقديم استقالتك، حاول إنقاذ بعض كرامتك المفقودة. حركة الاستخفاف التي تبديها الآن بيدك تُعظم فقط ضائقتك. ليس تخفيضاً فزعاً للضرائب، وليس إجازة الكنيست، ليس أمطار الخريف، ليست الكاتيوشا في الشمال، ليست القسامات في الجنوب، ليس الهجوم في إيران ولا الصواريخ على تل آبيب. شيء لن ينقذك". وبالرغم من جميع "دعوات" نتنياهو للعودة إلى مفاوضات السلام في حال قبول الفلسطينيين بذلك، هناك حقيقة بسيطة لا يمكن إخفاؤها وهي أن نتنياهو لا يريد حل الدولتين. فقط تأخير التسوية السلمية مهما كلّفه ذلك من ثمن. لقد نجح في ذلك حتى الآن ومن الأرجح أن يستمر في إحراز النجاح بمساندة التأييد الثابت له من الكونجرس الأميركي ومؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة الذين يتصرفون -قطعاً- على عكس ما يشتهي الرئيس الأميركي. وفي هذا السياق، نقتبس مما كتبه أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك (ألون بن مئير) في مقال بعنوان: "تأييد نتنياهو يعرض إسرائيل للخطر"، حيث توصل إلى الخلاصة التالية: "مع استمراره في سياساته الاستخفافية التي تهدد أمن إسرائيل القومي على المدى البعيد، سينظر نتنياهو وزمرته إلى ذلك على أنه نصر كبير، لكن هذا لا يخدم في الواقع سوى خداع نتنياهو لنفسه بأن إسرائيل ستكون بحال أفضل بتأخير تسوية الصراع الفلسطيني بدلا من مواجهته مباشرة للبحث عن حل عادل. وأثناء ذلك كله، يستمر نتنياهو في السير بإسرائيل في مسار خطير سيزيد من عزلتها، وقد يجدد أعمال العنف والإرهاب ضدها، الأمر الذي سيعرض أمن مواطنيه ومستقبل إسرائيل للخطر المحدق". ومن جهتنا، نختم بالقول إنه، بعد 3 سنوات لنتنياهو في الحكم، ها هي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية تهتز أكثر من أي وقت مضى، وكذلك أيضاً حال معاهدة السلام مع الأردن، فيما تدهورت روابط إسرائيل مع تركيا بشكل لم يسبق له مثيل، حتى علاقاتها مع إدارة أوباما -ولو أنها تبدو ظاهرياً جيدة- فإنها فعلاً متوترة إلى درجة كبيرة، علاوة على اعتبار المجتمع الدولي، وعلى رأسه عديد الدول الأوروبية، إسرائيل: المتهم الأول بخلق المأزق الكامن وراء تردي العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية.