مع حلول الذكرى السنوية السادسة عشرة لقيام الشاب المتطرف "يجال عامير" باغتيال الجنرال إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، يتبلور مشهد الخريطة السياسية في اتجاه اليمين. لقد جاء اغتياله في نوفمبر 1995 نتيجة لتحريض سافر من جانب اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتنياهو، عقاباً له على توقيع اتفاقيات أوسلو وتسليم السلطة الفلسطينية بعض المدن في الضفة والقطاع. قال نتنياهو آنذاك، وكان زعيماً لحزب "ليكود" يجلس في مقاعد المعارضة البرلمانية، مخاطباً أنصاره، لقد عجزت عن وقف سياسات رابين في التفريط بأرض إسرائيل فأوقفوه أنتم. بعدها فاز معسكر اليمين بانتخابات عام 1996، وأصبح نتنياهو رئيس الوزراء يعرقل تقدم عملية السلام ويطبق مفاهيم اليمين القائلة: "بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة هي إسرائيل"، والتي تعني رفض إقامة دولة فلسطينية بين نهر الأردن والبحر المتوسط. ونتيجة للظروف الدولية آنذاك، وبتأثير وجود الرئيس الأميركي بيل كلينتون المتلهف لتحقيق إنجاز تاريخي في الشرق الأوسط، مثل سلفه كارتر الذي رعى مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد، ترنّح معسكر اليمين وفقد الحكم أمام معسكر اليسار بقيادة إيهود باراك عام 1999. لقد أدى اقتراب باراك من إتمام صفقة السلام مع عرفات إلى تدخل معسكر اليمين ممثلاً هذه المرة في شارون الذي اقتحم الحرم القدسي ليشعل انتفاضة الأقصى ويدفع باراك إلى مواجهة الانتفاضة بالقوة المسلحة المفرطة ويدفع معه الرأي العام الإسرائيلي في معظمه باتجاه التطرف اليميني. في الانتخابات التالية فاز اليمين وصعد شارون إلى مقعد رئيس الوزراء ليستفيد من آثار هجمات نيويورك وواشنطن على الرأي العام الأميركي في إحكام قبضته على الرأي العام الإسرائيلي وإثارة فزعه وتنفيره من معسكر اليسار. واليوم، ومع عودة نتنياهو، المحرض ضد رابين، إلى السلطة، مرّت ذكرى اغتيال الرجل خافتة واختفت الحشود الغفيرة التي كانت تتجمع للاحتفال بذكراه وتأييداً لفكرة السلام. التوجه العام الذي يعكس تزايد قوة قبضة الفكر اليميني لم ينعكس فقط في التعسف ضد الفلسطينيين، بل ظهر أيضاً في السياسات الاقتصادية التي أثارت مظاهرات ضخمة شارك في بعضها ثلاثمائة ألف إسرائيلي احتجاجاً على غلاء المساكن وأسعار الخدمات وتراجع دور الحكومة في رعاية المواطنين وتيسير الخدمات لهم من تعليم وصحة وإسكان وفرص العمل والأجور المجزية، وهي أزمة لم تنته بعد. قبضة اليمين تبدت أيضاً في سلسلة من القوانين التي أصدرتها السلطة البرلمانية المحكومة بأغلبية أعضاء يمينيين وجميعها تتجه للتضييق على عرب 1948. وأخيراً اتجه اليمين لإصدار قانون يُقيد حصول منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية على دعم مالي من الأمم المتحدة أو المنظمات الأميركية والأوروبية، والهدف هنا هو إسكات أصوات هذه المنظمات المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، لتزداد قبضة اليمين بطشاً في غياب رقابة منظمات حقوق الإنسان.