حسناً فعل المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية بمصر، والمرشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، عبدالمنعم الشحات، حين كشف بعظمة لسانه أن جماعته تايوانية. والتايواني عند بعض العرب مرادف للشيء الرديء أو المقلّد، في مقابل الياباني الأصلي والمُحكم الصُنع، على رغم أن ما تنتجه تايوان من بضاعة جيدة ورديئة يفوق ما تنتجه الدول العربية مجتمعة. والحكاية أن الشحات أختير ضيفاً على برنامج "كافيه الشباب" الذي يبثّ على الهواء مباشرة من القناة الخامسة، وقبل لحظات من بدء البرنامج رفض الظهور أمام الكاميرا إلا إذا ارتدت مذيعة البرنامج الحجاب، وفشلت كل المحاولات التي جرت معه بينما الدقائق تمرّ والجمهور ينتظر بدء البرنامج. وفي أثناء ذلك دار حديث بين المذيعة والضيف السلفي، تساءلت من خلاله عن الفارق بين حديثه معها خلف الكاميرا من دون حجاب وحديثه معها أمام الكاميرا بحجاب، فقال إنه لا يستطيع الظهور أمام الناس معها وهي لا ترتدي الحجاب، ثم طلب منها أن ترتدي "حجابا تايوانيا"، موضحاً: "مش بجد يعني، المهم نوصل رسالة للناس وخلاص"، وعندما رفضت المذيعة ذلك، هددها وهو يضحك بأنه خير لها أن ترتدي الحجاب الآن برضاها من أن ترتديه رغماً عنها، فرضخت المذيعة في نهاية الأمر وظهرت في البرنامج إلى جانبه وهي ترتدي حجاباً تايوانياً. وربما كان ما قاله الشيخ السلفي مجرد مزحة أو حتى هفوة، لكن المشكلة أن بعض الهزل جد، خصوصاً إذا أعقبه توضيح "رسالة للناس وخلاص"، ثم أختتم بتهديد، كما أن هفوات اللسان بالذات تكشف ما في الصدور، "ما أضمر أحدٌ شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه". وبرأيي أن حجاب المذيعة التايواني يعكس تايوانية جماعات الإسلام السياسي عموماً، وأنهم لا يختلفون عن البضاعة التايوانية الرديئة والمقلدة، وإن اختلفوا في شدة وضوح رداءة رؤيتهم وابتعادهم عن الأصل، أي عن المتدين الحقيقي، الورع حقاً، لا لأهداف سياسية وأطماع دنيوية، فبينما يمكن اكتشاف تايوانية بعض أطياف تلك الجماعات بسهولة، بسبب تصرفاتهم الفجّة والمفضوحة في الإصرار على التمسّك بالتديّن الظاهري وإرغام غيرهم على ذلك، فإن بقية أطياف الإسلام السياسي أذكى من أن يتصرفوا بصبيانية دينية. وما يهم في الأمر ليس تايوانية تديّن هذه الجماعات، فلا أحد سينام في قبر أحد، والمهم هو أثر زيف تدينهم على الناس، خصوصاً إذا دخلوا تحت قبب البرلمانات وجلسوا على كراسي الحكم، ولعل أخطر الآثار هو تسبّبهم في نشر تايوانية تدينهم على المجتمع بأسره، فيصبح تديّن المجتمع مزيفاً ومقلّداً، والنظام يخدع الناس بتدينه، والناس يخدعون النظام بتدينهم، والكل يرائي أمام الكل، والكل لا يهدف إلا إلى توصيل رسالة إلى الكل، ويصبح الكثير من أفراد المجتمع مثل بعض الشعراء، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون، وهو ما يمكن ملاحظته بالعين المجرّدة في المجتمعات التي ابتليت بأنظمة دينية أو أنظمة تزعم تطبيقها الشريعة. ومن مخاطر انتشار التديّن التايواني اهتمام الناس بالشكليات على حساب الأساسيات، فيكون قطع الأيدي وتطبيق الحدود، على الضعاف بطبيعة الحال، قبل قطع الطريق أمامهم للحيلولة دون تورّطهم بالجرائم من خلال توفير فرص العمل لهم، وتحسين مستوى دخلهم، وتنمية قدراتهم. التديّن التايواني قديم قدم الأديان نفسها، وغربة الإسلام كما أخبر الحديث النبوي، ستزداد بوصول المتدينين التايوانيين إلى الحكم.