لا يزال القطاع الخاص في الدولة بعيداً عن ممارسة المسؤولية الاجتماعية نحو المجتمع بشكل فاعل ومؤثر، كما هو الحال في الدول المتقدمة على رغم التسهيلات العديدة التي تحظى بها شركات القطاع الخاص من ناحية سهولة إجراءات إنشاء مؤسسات تجارية وإلغاء القيود والحواجز المعيقة لممارسة الأعمال التجارية واقتصاد السوق المفتوح والأهم عدم وجود نظام ضرائب على الأرباح التجارية. وعلى رغم التسهيلات العديدة، إلا أن المبادرات الاجتماعية والمواقف المساهمة في خدمة المجتمع المحلي وتطويره قليلة جدّاً من قبل شركات القطاع الخاص في الدولة. بعض التجار وأصحاب رؤوس الأموال نظرتهم للمسؤولية الاجتماعية تكاد تقتصر على أعمال البر والإحسان، كالمشاركة في الحملات المحلية لجمع التبرعات لإغاثة منكوبي الكوارث في دولة خارجية، أو التبرع للهلال الأحمر أو صندوق الزكاة لدعم البرامج المحلية، ولكن المسؤولية الاجتماعية ليست فقط المساهمة في أعمال البر والإحسان، وإنما المساهمة الفعالة في تحقيق التنمية المجتمعية من خلال تخصيص جزء من أرباح الشركة في المشاريع المجتمعية، أو تكييف العمل التجاري بما يحقق النشاط التجاري الربحي المرْضي والخدمة المجتمعية. وإذا أخذنا بتعريف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة لدلالة المسؤولية الاجتماعية على أنها "التزام شركات الأعمال الدائم بالتصرف أخلاقيّاً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية لأفراد القوى العاملة وعائلاتهم،والمجتمع المحلي والمجتمع ككل"، فإن المسؤولية الاجتماعية تأخذ طابعا واسعاً ومجالات متعددة لا تنحصر في أعمال البر والإحسان والتبرعات. هناك ممارسات غير مسؤولة من قبل بعض من الشركات والقطاع الخاص تتعارض أساساً مع قيم المسؤولية الاجتماعية وحتى أخلاقيات الممارسة التجارية، وتخالف التشريعات الدينية أو القوانين الوضعية وتضر بالمجتمع، مثل الغش والاحتكار والمغالاة في الأسعار واستغلال المواسم، أو تلك الممارسات القائمة على هضم حقوق بعض العمال وعدم دفع رواتبهم أو توفير المسكن الملائم أو عملهم لساعات إضافية دون إجازات أو بدل. وكذلك المتاجرة بالتأشيرات وتشغيل بعض العمال الهاربين والمخالفين، وفتح شركات وهمية ونشاطات تجارية صورية. ومن الممارسات غير المسؤولة كذلك، الإضرار بالبيئة دون اتباع الإجراءات الضامنة لحمايتها مثل عمل بعض الكسارات المخالفة أو إلقاء المخلفات الصناعية بطرق غير صحية، أو هدر المياه أو التأثير على الغطاء النباتي أو الصيد الجائر. كل ما سبق، وغيره مما لم أستحضره، هو ممارسات غير مسؤولة ولا زال بعضها يمارس على رغم تشديد القوانين والتشريعات في هذا الإطار. أما الممارسات الاجتماعية المسؤولة التي يتعين على الشركات القيام بها فهي عديدة ومتنوعة، وليست فقط في الأعمال الخيرية، وأهمها التوطين وهو من أعظم المسؤوليات الاجتماعية التي ينبغي أن تطبق خاصة في الشركات الكبرى. ومن مجالات المسؤولية الاجتماعية للشركات أيضاً دعم وتنمية القطاع المحلي المجاور للمقر الرئيسي للشركة، وكذلك رعاية البرامج والمشاريع المجتمعية كالبرامج التعليمية والتربوية وخدمة المعاقين، لتنمية المجتمع في الأساس وليس لأغراض دعائية وإبراز المساهمة في الإعلام كما هو حال كثير من برامج الرعاية التي يتولاها القطاع الخاص. ومن المجالات المهمة التي يبرز فيها دور المسؤولية الاجتماعية لبعض القطاعات تقديم أسعار تفضيلية للطلاب مثل الحصول على تذاكر وأسعار مخفضة، وتقديم المتاجر المتنوعة والجمعيات التعاونية خصومات للفئات التي تحصل على المساعدات الاجتماعية، ودعم البحوث الجامعية، والمساهمة بالأجهزة والمعدات والقدرات البشرية في الأزمات أو عند وقوع الكوارث لا سمح الله. ولا يمكن حصر المجالات التي يمكن من خلالها للشركات القيام بدور المسؤولية الاجتماعية، ولكن الأمر يستدعي الضغط في هذا الاتجاه، من قبل الحكومة ووسائل الإعلام لزيادة مشاركة القطاع الخاص في خدمة المجتمع وتنميته.