يبدو أن بيل كلينتون يشعر بما يمر به أوباما من صعوبات، فقد كتب الرئيس الأسبق في كتابه الصادر مؤخراً بعنوان "العودة إلى العمل"، ذي الحجم الصغير والذي خصص معظمه للحديث عما كان سيقوم به لو كان في البيت الأبيض، أن "الرئيس أوباما عانى من أوقات عصيبة". والحقيقة أن كلينتون يعني فعلاً ما يقوله عندما يبدي تعاطفه مع أوباما، فهو يعتبر أن الرئيس الحالي يواجه أزمة اقتصادية خانقة أسوأ بكثير مما واجهه هو في تسعينيات القرن الماضي. ولا يتردد كلينتون في إلقاء اللوم -فيما يتعلق بالمشاكل الراهنة- على الجمهوريين وإدارة بوش التي أقرت خفضاً ضريبياً أدى في النهاية إلى تضخم العجز المالي والفشل في فرض قيود على القطاع المالي. كما أن الكثير من الأفكار والمقترحات التي يطرحها كلينتون في كتابه للخروج من الأزمة، تتطابق مع أغلب الإجراءات التي أقرتها إدارة أوباما، مثل: خفض الضرائب على الدخل لتشجيع الأميركيين على الاستهلاك، وإنشاء بنك خاص بالبنية التحتية، ومساعدة أصحاب المنازل العاجزين عن سداد رهونها. وأصر كلينتون في لقاء تلفزيوني أن الكتاب "يمتدح ويشيد بالسياسة الاقتصادية لإدارة أوباما". لكن رغم أن الكتاب لا ينتقد على نحو صريح أداء إدارة أوباما، بل يشير إلى نقاط القوة التي ميزتها طيلة الفترة السابقة، فإن النصائح التي يقدمها تشي أن هناك خللاً ما يتعين التنبيه إليه، فخلافاً لكلينتون، فشل أوباما في جعل السياسات التي جاء بها الديمقراطيون مستساغة للناخبين، والنتيجة أن العديد منهم يلجؤون إلى البديل الجمهوري. وفي اللقاء التلفزيوني، يوضح كلينتون هذا الموقف قائلاً: "أعتقد جازماً أن الرئيس أوباما قام بجهد يستحق الثناء، لكن الأميركيين يصوتون على الرؤساء للنضال من أجلهم والدفاع عن مصالحهم". ومع أن الرؤساء السابقين لا يلجؤون عادة إلى توجيه النصح لنظرائهم الحاليين علناً، أو في الكتب، فإن كلينتون الذي استشاره أوباما في مناسبات عديدة سابقة، غير متأكد من أن نصائحه قد استُمع إليها. وبالإضافة إلى ذلك قال كلينتون إنه شعر بضعف شديد في أداء الديمقراطيين خلال انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في عام 2010، إلى درجة دفعته لتضمين مقترحاته وأفكاره في كتاب مخافة تكرار الأداء السيئ نفسه في انتخابات عام 2012. فعن انتخابات التجديد النصفي لعام 2010، كتب كلينتون: "نظم الجمهوريون حملة أكثر شراسة واندفاعاً، ومع أن الرئيس أوباما والكونجرس قاما بخطوات مهمة وإيجابية على مدى 2009 و2010، لكن المستفيدين من هذه الخطوات لم يلمسوها على أرض الواقع، وفي الغالب لا يعرفون عنها شيئاً". والأمر لا يقتصر فقط على ضعف التواصل من قبل إدارة أوباما، بل تورط الديمقراطيون أيضاً في الدفاع عن "الحكومة الكبيرة" التي لا يصعب مناصرتها في الحياة السياسية الأميركية ولا تحظى بقبول لدى الناخبين. وهنا يظهر بوضوح النقد الموجه إلى إدارة أوباما، بحيث يحتاج الرئيس إلى التركيز أكثر على البرامج التي تقدم نتائج ملموسة وواضحة للناخبين يمكن أن يروها ويقيموا على أساسها أداء الإدارة، وهو ما يعني مزيداً من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، ومزيداً من البرامج الصغيرة التي تثبت بأن النشاط الحكومي إيجابي وقادر على تلبية احتياجات السكان، ومن تلك البرامج الفعالة إصلاح منظومة اللوائح والقيود المفروضة على عملية إطلاق الشركات والمبادرة الحرة. وفي هذا الإطار أيضاً يوضح كلينتون أن "فكرة عجز الحكومة عن القيام بشيء ذي فائدة وتعطيلها لمعظم المشاريع المهمة، هو ما يؤطر النقاش العام في أميركا"، لكنه يضيف أن برامج حكومية ملموسة وظاهرة للعيان يمكنها إصلاح هذه النظرة السلبية الراسخة لدى الأميركيين، وبالتالي النيل من تصورات الجمهوريين الذين يساهمون في تثبيت هذه النظرة السلبية. وباختصار فإن ما يقوله كلينتون في كتابه هو أنه لكي يفوز أوباما في انتخابات 2012 ويضمن بقاءه في البيت الأبيض لولاية ثانية، عليه أن يكسب النقاش حول مدى حاجة الأميركيين لحكومة نشطة وفاعلة، ومن ثم عليه السير على خطوات كلينتون عندما كان رئيساً. ومن غير المعروف كيف سيكون رد أوباما على نصائح سلفه كلينتون، وإن كانت الإدارة الحالية حرصت على تقديم الشكر لكلينتون وتقدير اهتمامه بالشأن العام، بل إن أوباما سبق له الأخذ ببعض نصائحه، فخلال الأسابيع القليلة الماضية كشفت الإدارة الحالية عن مجموعة من المبادرات والبرامج الصغيرة التي يمكن إنجازها مباشرة من خلال أمر رئاسي دون الحاجة للمرور بالكونجرس المعطل دائماً لمبادرات البيت الأبيض، ومن تلك البرامج تقديم العون للأسر العاجزة عن دفع أقساط منازلها المرهونة، وتمديد آجال الدفع لقروض الطلبة، والحد من نقص الأدوية في الوصفات الطبية المؤمن عليها... فهل فات الأوان على أوباما، الرئيس المتزن والمثقف الذي يدافع عن البرامج الحكومية الكبيرة، كي يتحول إلى كلينتون آخر، ويشرع في تبني مبادرات حكومية صغيرة وملموسة؟ ربما، لكن من وجهة نظر الديمقراطيين يستحق الأمر عناء المحاولة. دويل ماكمانوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"