صعّدت الولايات المتحدة وإسرائيل نبرتهما التهديدية ضد إيران، واعتبرت واشنطن أن طهران أصبحت تهدد الولايات المتحدة، وقالت إسرائيل إن الخيار العسكري أصبح أقرب مدى، وأكدت على لسان رئيسها بيريز أن اتجاه الأحداث يسير نحو الخيار العسكري وليس الدبلوماسي. وقال بيريز محذراً زعماء العالم من أنه لم يتبق كثير من الوقت، إن إيران تقترب من امتلاك السلاح النووي. كما طالب دول العالم بالمزيد من الضغوطات على طهران. ومن جانبها اتخذت كل من فرنسا وبريطانيا، ثم الاتحاد الأوروبي ككل، موقفاً مؤيداً للتشدد ضد إيران، بينما اتخذت روسيا موقفاً واضحاً ضد التصعيد الغربي حيال إيران، واعتبرت أن ما يحدث تصعيد مبالغ فيه وأن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية معادٍ ومتحيز ضد إيران. ومن جانبها أبدت إيران هدوءاً ظاهرياً، وقال وزير خارجيتها: "لقد استمعنا للتهديدات طوال ثماني سنوات، لكننا واثقون من أنفسنا ويمكننا الدفاع عن بلدنا". والتساؤل المطروح حالياً: هل التهديدات الإسرائيلية جادة؟ الدولة العبرية من تاريخ ممارستها العملية، لا تعلن نيتها ضرب أي مفاعل نووي تنوي استهدافه بالفعل، وذلك حفاظاً على السرية وعنصر المباغتة، والدليل على ذلك تدميرها للمفاعل النووي العراقي وبعده تدمير المفاعل النووي السوري. معظم المحللين السياسيين قالوا إن تهديد إسرائيل وإعلانها عن ضربة وشيكة لإيران، ليس إلا محاولة للضغط على الغرب لفرض مزيد من العقوبات على طهران، ما قد يؤدي إلى تردي الأوضاع الداخلية ومن ثم الإطاحة بالنظام الديني المتشدد في طهران. وبالنسبة لنا في الخليج، فإننا معنيون أكثر من غيرنا بالصراع المحتمل بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى. لقد لعبت طهران، ولفترة طويلة، على ورقة التناقض الأوروبي الأميركي حول ملفها النووي، لكن اليوم اتخذت الدول الأوروبية -وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا- موقفاً أكثر تشدداً ووافق الاتحاد الأوروبي على موقفهما. لقد استطاعت إيران في الماضي مواجهة محاولات الحصار الاقتصادي والسياسي، وكانت كلما اشتد الحصار عليها لجأت إلى استخدام الأدوات المتاحة لها لكسر الحصار أو التخفيف من حدته، ومن المتوقع أن تلجأ إلى أنصارها من الأحزاب والقوى السياسية في العراق ولبنان وغزة وبعض الدول الخليجية حيث تتواجد قوات غربية. الانسحاب الأميركي من العراق في نهاية العام الجاري سيترك فراغاً سياسياً وأمنياً سوف تملؤه إيران، حيث سيكون لها مواطئ قدم كبير هناك، مما يشكل مصدر قلق لدول الخليج والولايات المتحدة معاً. هذا مع العلم أن تحرك سنّة العراق ومطالبتهم بإقليم مستقل بعد حملة الاعتقالات الأخيرة ضد "بقايا حزب البعث"، قد يدفع الحكومة العراقية لإعادة النظر في نهجها الطائفي. أما دول الخليج العربية فأعلنت في أكثر من مناسبة رفضها التسلح النووي الإيراني، لكنها توافق على الاستعمالات النووية للطاقة بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أن دول الخليج ترفض أي اعتداء عسكري ضد إيران، سواء أكان من الولايات المتحدة أو إسرائيل، إذ من شأنه أن يؤدي إلى تفجير المنطقة، وقد صرّح بذلك وزير الدفاع الأميركي مؤخراً. نحن في دول الخليج طالبنا إيران مراراً وتكراراً باللجوء إلى المفاوضات والحلول السلمية لتسوية مشاكلها العالقة مع الغرب، سواء تلك المتعلقة بدعم الإرهاب أو بالتسلح النووي، لكن الصراع الداخلي في طهران، وفوز المحافظين، أديا إلى استمرار المشاكل مع دول العالم. نأمل أن يتم تحكيم العقل والمنطق لأن الحرب ليست في مصلحة أحد.