أزمة الديون تعجل "سقوط" برلسكوني... وتخفض سقوف المشروع الأوروبي مستقبل المخاض الديمقراطي في تونس وليبيا، وبرلسكوني ينضم لقائمة الراحلين، ودخول المشروع الأوروبي مرحلة حرجة، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. ديمقراطيات "الربيع" في تحليل سياسي بصحيفة لوموند تحت عنوان "تونس وليبيا: تعلم الديمقراطية"، اعتبر الكاتب "لويس مارتينيز" أن الفوز الذي حققته حركة "النهضة" التونسية لا يدعو للخوف حتى وإن كان يدعو للإحباط، على اعتبار أن كثيرين توقعوا فوز المدونين ونشطاء الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي غير الإسلاميين، ولكن استياء مرحلة ما بعد الثورة دفع قطاعات من الرأي العام للتصويت لـ"النهضة"، لتبقى للأحزاب العلمانية فرصة تعلم كيفية تداول السلطة بطريقة سلمية، وهذا هو الدرس الأساس فيما جرى. وهنا يتعين على الأحزاب غير الفائزة والنشطاء العلمانيين استصحاب الشجاعة والقوة اللتين جعلتاهم ينجحون في إسقاط نظام بن علي وتحويلهما إلى نوع من الذكاء السياسي، لتشكيل قطب معارض موازٍ لحركة "النهضة". ومن المعروف أن الإسلاميين في تونس، كما في ليبيا، كانوا مطاردين. ولذا فإن أحزابهم تستفيد اليوم من صفة "الضحية" المختلفة عن النظامين السابقين. ولكن هذه الميزة مفيدة سياسيّاً في المدى القريب فقط، حيث سيكون عليهم في المدى البعيد البرهنة على فاعليتهم وقدرتهم على الإتيان بالاستجابات المناسبة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى الاحتقان والتحول أصلًا في كل من البلدين. ويختم الكاتب تحليله منبهاً إلى بعض المخاوف المحسوسة الآن في العواصم الغربية تجاه ما قد تحمله بعض الاستحقاقات المقبلة في البلدين، وكيفية استكمال التجربة الديمقراطية فيهما. ولكن حتى لا تتكرر صدمة المفاجأة التي ترتبت على نشوب الثورات العربية لدى تلك العواصم الغربية، حين أخذتها الأحداث على غرة، ينبغي النظر الآن بعين يقظة وفاحصة للكيفية التي سيتم بها بناء ديمقراطيات هناك. ارحلْ برلسكوني في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو اعتبر الكاتب بيير روسلين أن أفضل خدمة يمكن أن يقدمها برلسكوني لمنطقة "اليورو" اليوم هي أن يحمل عصاه ويرحل، ومن الأفضل أن يفعل ذلك في أسرع وقت ممكن. فقد أصبح في الواقع كاريكاتوراً لنفسه، ونصباً تذكاريّاً لفشل نخبة أوروبية معينة. ومفهومٌ أن إيطاليا لم تعد تمتلك ترف تحمل تسليم زعامتها لرجل بكل هذه السلبيات والسيئات. فالوقت الآن وقت صرامة وجدية، ووقت عودة المعنى السليم لفاعلية الدولة. ومن أجل هذا ستكون لرحيل برلسكوني دلالة رمزية خاصة. وليس سرّاً أن أزمة الديون هي في المقام الأول أزمة ثقة. وما زال كثيرون غير واثقين من جدية إعلان برلسكوني نيته التنحي. ومع هذا ينبغي الاعتراف أيضاً بأن مجرد رحيله لن يكون كافيّاً وحده لكي يصبح كل شيء على ما يرام. فالحالة السياسية الإيطالية تبقى في كل الأحوال معقدة. ولكن البلاد ستتنفس الصعداء على كل حال عندما ينزاح هو عن صدرها. ولاشك أن مصيره الآن بيد الخبراء مساعدي الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو. وحتى قبل حلول موعد الانتخابات السابقة لأوانها تفرض الظروف اتخاذ تدابير عاجلة، حتى لا ينتشر الحريق في باقي الهشيم الأوروبي. وفي لوفيغارو أيضاً عنون الكاتب "إيف تريَّار" عموده بسؤال دال يقول: "بعد باباندريو وبرلسكوني، هل يستطيع ساركوزي القفز؟" (من المركب الغارق)، مؤكداً أن سحب الأزمة الأوروبية تزداد كثافة وقتامة، وفي حين لاذت المفوضية الأوروبية بما يشبه الصمت المطبق خلال أشد فترات الحمى اليونانية، والإيطالية، إثارة للقلق، ها هي تستجمع قواها مجدداً لتطلب صراحة من فرنسا تسوية مشكلة ديونها السيادية. وهذا قابل للفهم أيضاً، فهل المفوضية تسعى للانتقام من ساركوزي، الذي تعمد خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة في مدينة "كان" الإمساك بالثور من قرنه، إلى جانب ميركل، لكي يعنف كل منهما تلميذي منطقة "اليورو" السيئين، باباندريو وبرلسكوني؟ وهنا كان على ساركوزي تحديداً أن يعي أن فرنسا ليست ألمانيا، وأنها لا تمتلك ترف استعراض عضلاتها بالنظر إلى تعقيد وهشاشة الحالة المالية الفرنسية. وفي هذا السياق انطلقت صفارات الإنذار وحبست الأنفاس منذ يوم الخميس الماضي بانتظار التصنيف المتوقع صدوره للديون الفرنسية من قبل وكالة التصنيف الائتماني، وهو إنذار كاذب على كل حال، لأن الجميع يعرف أن الارتباط الشديد للبنوك الفرنسية مع الدين الإيطالي يجعل بلادها في مرمى استهداف وكالات التصنيف. وفي الأخير يتساءل الكاتب إن كان ساركوزي سيواجه في حال استفحال الأزمة وتعقيد الموقف موقفاً قاهراً كذلك الذي واجهه برلسكوني وباباندريو، وللمفارقة بضغط من ساركوزي نفسه وميركل، مما يستدعي الرحيل في النهاية؟ وفي هذه الحالة هل ستفرض ميركل بدورها على الرئيس الفرنسي المغادرة، حتى دون استشارة الشعب الفرنسي؟ الحقيقة أن هذا الاحتمال غير وارد تقريباً لأن النظام شبه الرئاسي الفرنسي يجعل الرئيس في مأمن من الوقوع ضحية ألاعيب سياسية مثل هذه، لأن مصيره ليس في يد أغلبية برلمانية، أو متاهات التصويت على الثقة. وأخيراً اعتبر الكاتب "فينسان جيريه" في افتتاحية صحيفة ليبراسيون أن الأزمة المالية الأوروبية أخذت في طريقها حتى الآن خمسة رؤساء حكومات هم الإيرلندي "كاون"، والبرتغالي "سقراطس"، والسلوفاكي "راديكوفا"، واليوناني "باباندريو"، وصولاً إلى الإيطالي "برلسكوني"، وبعد عشرة أيام تقريباً بحلول الانتخابات في إسبانيا سيلتحق ثاباتيرو بهذا الركب ليكون السادس على قائمة الراحلين. وطبعاً لا أحد في مأمن، وخاصة أن ساركوزي يواجه الآن تدنيّاً في الشعبية لم يسجل له مثيل في تاريخ الجمهورية الخامسة، وحتى ميركل تواجه هي أيضاً مصاعب، والقائمة طويلة. الولايات غير المتحدة الأوروبية تحت هذا العنوان كتب محرر الشؤون الدولية "بيوتر سمولار" تحليلاً سياسيّاً في صحيفة لوموند قال فيه إن الأزمات يفترض أن تكون هي ما يقوي المشروع الأوروبي ويدفعه قدماً إلى الأمام. ولكن للمفارقة فإن العكس هو ما يحدث الآن: فقد أدت الأزمة الحالية إلى فتور همة القادة والخبراء، وأيقظت النزعات الوطنية لدى الشعوب وجعلت سقف حماسها للحلم الأوروبي يتراجع بشكل كبير. والحال أن الأزمة لا يمكن اختزالها في أنها مجرد مسألة ديون، فهي في العمق أزمة سياسية. فالأمم الأوروبية، وخاصة منها فرنسا وألمانيا، لم تجد حلاً لمواجهة المخاطر التي تتهدد البيت المشترك سوى المبادرة بمصادرة مفاتيحه. وفي هذه الأثناء عادت مجدداً تصنيفات "أوروبا القديمة" و"أوروبا الجديدة". كما انقسمت دول الاتحاد من حيث عقيدتها المالية بين "دول الشمال" و"دول الجنوب"، وبذلك بدت مجموعة "اليورو" بدولها السبعة عشر وكأنها ستتفكك في صمت. ومع هذا فإن الحركة الجيولوجية المحفوفة بالمخاطر لن تحل أيضاً الاختلالات الهيكلية للاتحاد الأوروبي، ما لم تتم الاستجابة للتحدي في أبعاده السياسية، وبنوع من التدابير الجديدة غير المسبوقة. وفي الأخير يتساءل الكاتب، بعد كل هذا، هل ما زال وارداً الحديث عن ولايات متحدة أوروبية؟ دعونا من الشعارات -يقول- فمثل ذلك الطريق لا يبدو سالكاً، فثمة حدود معينة يبدو أنه لا يمكن تجاوزها فيما يتعلق بالاندماج السياسي، وهذا ما ينبغي وضعه في الاعتبار. إعداد: حسن ولد المختار