في الأول من نوفمبر الجاري، التقى الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، الذي قام بزيارة لدولة الإمارات للمشاركة في الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون وروسيا. وأتى ذلك اللقاء، بالإضافة إلى لقاء الضيف الروسي مسؤولين آخرين من كبار رجال الدولة ضمن الجهود التي تبذل حالياً للاستفادة من علاقات دولة الإمارات بروسيا، فماذا لدى الطرفين من مصالح لبعضهما بعضاً؟ وإلى أين تسير العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما؟ علاقة الإمارات بروسيا تبدو واعدة، ويوجد لدى الطرفين مصالح يمكن تحقيقها، وربما أنه لحسن الحظ أن العلاقات لا تقتصر على الصعيد السياسي والأمني، أو بسبب وجود فرص اقتصادية واستثمارية لدى الطرفين، بل إنه توجد علاقات على مستوى الأعمال الخاصة والأفراد نشأت منذ اللحظات الأولى لما عرف بالبروسترويكا والجلاسنوست، وهي الشعارات التي أطلقها جورباتشوف آنذاك وتعني المكاشفة والإصلاح، والتي بدأ بعدها الانفتاح الروسي على العالم، فكانت الإمارات من أوائل الدول التي وفد إليها الروس وأقاموا معها علاقات أعمال ومصالح. ونتج عن ذلك تشكل علاقات متينة واتصالات نمت وتطورت مع الزمن، إلى أن وصلت إلى درجات يُعتد بها في هذه المرحلة. وفي الواقع العملي يصطبغ السلوك الخارجي الروسي حالياً بقوة بمصالح روسيا الاقتصادية لدى العالم الخارجي، وهو سلوك في تصاعد مستمر منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. وربما أن الأمر فيه مبالغة لو قلت إن علاقات روسيا الخارجية هي علاقات عمل تجاري واقتصادي بعيداً عن الجوانب الأخرى التي تحكم علاقات دولة كبرى بدولة غنية من العالم النامي. لكنها أيضاً مبالغة على درجة من التدني، فروسيا حالياً لديها تركيز شديد على مصالحها الاقتصادية والتجارية أكثر من تركيزها على الجوانب الأخرى. ونلاحظ حالياً بأن علاقات الإمارات الاقتصادية بروسيا تنمو بشكل سريع، مقابل أن العلاقات السياسية والأمنية لاتزال بحاجة إلى تطوير، لذلك فإن العلاقات مع روسيا لابد وأن يتم تطويرها على الصعيدين السياسي والأمني، فروسيا واحدة من أغنى دول العالم بالموارد الطبيعية، ومعظم تلك الموارد تقع في مناطق بحر قزوين وجبال الأورال وساحل المحيط الهادي، وبالنسبة لنا مناطق قزوين هي الأهم فهي قريبة من الخليج العربي، وهي متاخمة لحدود إيران الشمالية، وهي منطقة مكتظة بالسكان، وتعد من قبل روسيا عرضة للاختراق من الجنوب ما لم يتم تنميتها وتطويرها ودمجها بإحكام مع مناطق روسيا الأخرى. وبالتأكيد أن لدولة الإمارات مصلحة في الاستفادة من هذا الجانب على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، فإذا ما قامت دولة الإمارات بتشجيع الاستثمار في قزوين فإنها ستكون قد ساعدت روسيا على أن تبرز كأمة كبرى قريباً من الخليج العربي، وتتشارك مع إيران في حدود برية وبحرية طويلة. وهذا من شأنه أن يُسهم في استقرار الخليج العربي لو تم استغلاله بشكل جيد، وهنا لابد من الإشارة إلى أن روسيا الحالية التي تعمل دولة الإمارات على بناء علاقات قوية معها هي ليست الاتحاد السوفييتي السابق، لذلك فإنه لكي يتم بناء علاقات قوية جديدة معها نحقق من وراءها مصالحنا التي نسعى إليها، نحن بحاجة إلى تغيير نظرتنا السابقة إليها على أنها أحد أقطاب الحرب الباردة والمركز الأول للشيوعية. وتحقيق الأمر الأخير لابد وأن يطال الأمور السياسية والأمنية والاستراتيجية والاستثمارية، وهذا يحتاج إلى تقييم كل ذلك بشكل صحيح من قبل المتخصصين المواطنين الذين لا تخلو الإمارات منهم، ويستطيعون دراسة الأمر بروية وتقديم المشورة والمقترحات بشأنها.