إنني مولع بقراءة تجارب وسير الشخصيات السياسية والأدبية والفكرية، لما تتضمنه من معلومات ومعارف، خاصة إذا كان مؤلفها يعبر عن رأيه بجرأة وشفافية ونزاهة، ويؤمن بما يقوله عن فهم وعلم، وتتطابق شخصيته مع آرائه ومواقفه. وأحسب أن عضو الكونجرس الأميركي السابق بول فندلي في كتابه "مذكرات بول فندلي... أميركا في خطر"، والصادر عام 2011، كان من هذا النوع. فهو سياسي يدعو للعدالة والحرية وفهم الإسلام، ويتعاطف مع القضية الفلسطينية، ويؤمن بالحقوق العربية، ويحذر من خطر الحروب والسلاح النووي. ويحاول في كتاب سيرته إيقاظ الساسة الأميركيين من سباتهم، وبناء جسور مع العالم الإسلامي. وقد أكسبته تجربته في الكونجرس، وعلاقاته مع بعض المسؤولين في العالم العربي، خبرات ثرية انعكست في آرائه وكتاباته ومؤلفاته وأهمها "لا سكوت بعد اليوم". وإذا تأملنا تجربته السياسية التي بدأت عام 1961 كعضو في الكونجرس عن ولاية الينوى، فسنجد أننا أمام شخصية فذة مارست عملها بمستوى عال من الجرأة والإخلاص. وقد أتيح لفندلي خلال تجربته في الكونجرس، فهمَ ودراسةَ الواقع السياسي الأميركي، وعلى الأخص السياسة الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط، والصراع العربي الإسرائيلي. كان فندلي مؤيداً قوياً وشجاعاً للفلسطينيين. وفي مذكراته يحدثنا عن الدور الذي قام به نحو من صوتوا لانتخابه، منطلقاً من الحكمة التي تلقاها من أحد القضاة حين نصحه قائلاً: "صافح الجميع، كن مستمعاً جيداً، تتبع أولئك الذين يستجيبون في حرارة، وبهذه الطريقة ستكسب الأصدقاء وتأتي في الطليعة، سواء نجحت في الانتخابات أم لم تنجح". وقد أمضى الساعات الأولى من ليلة الانتخابات يشكر الأفراد المؤيدين لحملته الانتخابية، ويقول عنهم إنهم "أصبحوا أصدقائي وسيبقون كذلك بغض النظر عن نتائج الاقتراع، سواء فزت أم فشلت". ووضع فندلي برنامجه السياسي حول المشكلات التي يعاني منها أولئك الأصدقاء، وعمل على حلها، فظل طيلة 14 عاماً يطالب الصين بإطلاق سراح معتقل أميركي لديها من أبناء دائرته الانتخابية، هو النقيب فيليب سميث الذي أسرته القوات العسكرية الصينية عام 1965 عندما دخل المجال الجوي الصيني بالخطأ خلال مهمة ليلية فوق فيتنام. كما فعل الشيء ذاته مع أحد أبناء دائرته كان معتقلاً في اليمن. وأمام ضخامة الكلفة البشرية والمادية والاجتماعية والاقتصادية للحروب، كما حدث للشعب الياباني جراء القنبلة النووية الأميركية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، حيث قتل مئات الألوف وحلّت حالة من البؤس الإنساني... فقد تعمّق لدى فندلي الوعي بمخاطر الحروب، ليضع منعها في المرتبة الأولى من أجندته السياسية. ومما يميز فندلي موقفه الواضح من حروب الولايات المتحدة، حيث يقول إنه فيما عدا الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإن باقي الحروب التي خاضتها أميركا، في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان، كانت مبنية على معلومات كاذبة، ولم تحصل على الإجازة من طرف الكونجرس، وأن المسلمين كانوا أكثر ضحاياها، خاصة في العراق وأفغانستان وباكستان. وينقل عن ستيفن والت في كتابه "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية"، أن الأميركيين قتلوا ما لا يقل عن 288 ألف مسلم، أي بمعدل 30 شخصاً مقابل كل أميركي قتل خلال العقود الثلاثة الأخيرة بما في ذلك قتلى تفجيرات 11 سبتمبر.