يحتل موضوع الطاقة أولوية لمتخذي القرار حول العالم، إذ إن هذا الموضوع يتعدى كثيراً قضية توفير وقود لوسائل النقل والمصانع والتدفئة ليشمل قضايا استراتيجية تتعلق بالسياسة والأمن والتنمية وتوفير الغذاء وكل ما يتعلق بالحاضر والمستقبل. ومن هنا يكتسي المؤتمر السنوي للطاقة الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي أهمية كبيرة، حيث تطرق مؤتمر هذا العام الذي عقد في بداية شهر نوفمبر الجاري إلى آخر مستجدات شؤون الطاقة من كافة الجوانب. وضمن التساؤلات المهمة التي طرحت تأتي القضايا الخاصة بتراجع مخزون "الاحتياطيات النفطية" الذي تعتمد عليه البلدان العربية، مما جعل أمن الطاقة أمراً مستحيلًا من وجهة نظر مدير عام الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إرينا"، الذي يرى ضرورة التفكير بتطوير نظم بديلة للطاقة، حيث أشار أيضاً مستشار البنك الدولي في هذا الصدد إلى أن هناك أزمة نفط حادة تلوح في الأفق، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط لتتجاوز المستويات القياسية التي بلغتها في عام 2008، والتي وصل فيها برميل النفط إلى 147 دولاراً. ولذلك، فإن أمن الطاقة أصبح يشكل أولوية رئيسية بالنسبة لكافة بلدان العالم المعنية بتعزيز نمو اقتصادي صحي مع الحفاظ على الاستقرار والتنمية المستدامة. ومن هنا نرى بعض التداعيات لتوقعات هذه الأزمة، حيث تشهد أسواق الطاقة البديلة نموّاً سريعاً، فبين عامي 2004 و2010 تضاعف الاستثمار في الطاقة المتجددة أربع مرات ليصل إلى أكثر من 271 مليار دولار، وذلك على رغم الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون التي لم تؤثر في هذه الاستثمارات، مما يدل على أن العالم في سباق مع الزمن لإيجاد مصادر بديلة للطاقة. أما البدائل التي تطرق إليها المؤتمر والمتوفرة في الوقت الحاضر، فإنها محدودة ولكل منها خواصها ومخاطرها، فالطاقة النووية، كما أشار ممثل مؤسسة "تشاتهام هاوس" لها مخاطر وانعكاسات على البيئة، في الوقت الذي تتميز فيه الطاقة الشمسية النظيفة بمستويات أمان عالية، إلا أن تكلفة إنتاجها لا زالت عالية جدّاً، مقارنة بالمصادر الأخرى. أما فيما يتعلق بالبلدان العربية، فإنها ستواجه معضلات متزايدة في إدارة العرض والطلب لموارد الطاقة، وخصوصاً أن الطلب المحلي سيشهد نموّاً كبيراً في العقدين القادمين. ولذلك، فإن هذه التطورات في مجملها تشكل تحديات حقيقية للبلدان المنتجة للنفط، وهي تحديات لا يمكن مواجهتها دون تنسيق، سواء في مجال تسويق مصادر الطاقة الأحفورية أو تطوير مصادر الطاقة البديلة، مما حدا بمدير عام المركز الدكتور جمال سند السويدي في كلمته الختامية إلى التأكيد على أهمية إنشاء مجموعات من شركات الطاقة المتجددة بدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، على أن يستمر الدعم الحكومي لهذه المجموعات من خلال إصدار التشريعات اللازمة لتنظيمها وتطورها. وبالنتيجة، فإن كافة المؤشرات تدل على أن الصراع حول مصادر الطاقة بكافة أنواعها سيشتد في السنوات القليلة القادمة، وذلك لأسباب استراتيجية وأمنية وتنموية، حيث سيتخذ هذا الصراع أشكالاً متعددة، إذ حث تقرير صدر مؤخراً لمركز البحوث العسكرية الأميركي "ميليتاري أدفايزاري بورد" الولايات المتحدة على تقليص استخدامها للنفط بنسبة 30 في المئة على مدى العقد المقبل كواجب في مجال الأمن القومي، واصفاً اعتماد واشنطن على النفط المستورد على أنه بمثابة "نقطة الضعف في أمننا القومي" معتبراً أن إغلاق مضيق هرمز لمدة ستين يوماً على سبيل المثال سيؤثر في الأسعار والوظائف في الولايات المتحدة. إن تزامن مؤتمر الطاقة مع صدور التقرير الأميركي يشير إلى مدى أهمية التطورات المتلاحقة والسريعة في الصراع على مصادر الطاقة في العالم، مما يتطلب التعاون والتنسيق بين البلدان والكتل الاقتصادية المتجانسة، كدول مجلس التعاون الخليجي وحسن الاختيار لتنمية مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة وإيجاد تناسب بين متطلبات التنمية المستدامة وتطوير مصادر الطاقة لتلبية الاحتياجات التنموية المتنامية.