حُسم الأمر في ثورات تونس ومصر وليبيا؛ وسقط الطغاة في تلك البلدان، وبدأت إجراءات تأسيس الدولة حسب أسس سياسية جديدة وفق منطق دولة القانون الذي من المفترض أن يؤدي بتلك البلدان إلى ترسيخ ممارسات ومعايير الحياة الديمقراطية التي تنشدها الشعوب. ولقد ظهرت في تونس أولى بوادر التحول السياسي ضمن موجة الربيع العربي، حيث اختار الشعب ممثليه في انتخابات شهد لها كثيرون بالنزاهة وحصلت في سياقها حركة النهضة على 45 في المئة من الأصوات، تلاها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي حصل هو أيضاً على نسبة 17 في المئة، ثم حزب "التكتل" بنسبة 11 في المئة، و"القطب الحداثي" بنسبة 5 في المئة، و"الحزب الديمقراطي التقدمي" بنسبة 4 في المئة. وفي هذه الأثناء ما زال الشعبان في مصر وليبيا ينتظران هما أيضاً نتائج نجاح الثورة واستحقاقاتها. أما في سوريا واليمن فما زالت الأمور فيهما محتدمة، وما زال الرصاص والموت هما لغة الحوار بين المنتفضين وبين السلطات في هذين البلدين. لقد رأيت الشباب التونسي مبتسماً وهو يدلي بصوته في الانتخابات التي جرت في الطريق الصحيح، الذي وصلت نسبة الاقتراع فيه إلى معدلات مرتفعة عموماً حيث زادت على 70 في المئة، وقد جرت بحضور ممثلين دوليين وحقوقيين، وسط إعجاب عام من قبل المراقبين الدوليين! وهذا هو ما ينبغي أن يُطبق أيضاً في كل من مصر وليبيا وسوريا واليمن. إننا نأمل أن تقطف الشعوب العربية ثمارَ ربيعها! وتتجه نحو الإنتاجية والديمقراطية وسيادة القانون، وحقوق الإنسان. وأن تنعم الشعوب بحياة كريمة مستقرة بعد زوال تلك الديكتاتوريات. ونأمل أن يسود أيضاً في مصر مثل ما جرى في المشهد التونسي من نجاح في إدارة عملية الانتخاب دون مشاكل تذكر، بحيث تتحقق الحياة الكريمة ويعم الرخاء الاقتصادي، بعيداً عن ترويع الناس بأجهزة القمع التي كانت تغطي على سوء أفعال بعض رجال النظام الذين نالوا جزاءهم العادل. والسؤال يبقى: ترى مَن يدير اللعبة؟ هل هنالك فعلاً أيادٍ غربية "خفية"، هي التي حرّكت الشارع العربي؟ وهل الربيع العربي جاء متأخراً لفترة عما أعلنته الولايات المتحدة عام 2005 من توجهات أميركية نحو "دمقرطة" العالم العربي؟ مَن يُدير اللعبة؟ هل كانت الثورة التونسية والمصرية والليبية واليمنية والسورية نتيجة تداعيات داخلية بحتة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تحدث تلك التداعيات قبل عام 2011؟ والسؤال ذاته، بصيغة أخرى، لماذا صبرت هذه الشعوب ثلاثين أو أربعين عاماً كي تتحرك في هذا العام بالذات 2011؟ أليس هذا سؤالاً مشروعاً على رغم أن الظروف في تلك البلدان لم تتغير، ولم تحدث مفاجآت أو لم يظهر "أبطال" يغيرون صيرورة الأحداث في تلك البلدان التي وصل بها الأمر إلى حدود غير عادية من الديكتاتورية والسلطوية، تحت وطأة الخوف وسياط القمع، بطبيعة الحال. مَن يُدير اللعبة؟! هذا سؤال مهم! وإذا كانت للولايات المتحد يدٌ -ولربما للدول الأوروبية أيضاً- فيما حدث، فلماذا تأخروا كل هذا الوقت، الذي ذاقت بعض الشعوب خلاله الهوان وانتهاك الحريات والعبث بمقدراتها، من قبل حكومات ديكتاتورية لم تمنح مواطنيها أدنى حقوق المواطنة، وحرمتها من أقل حقوق الحريات التي يضمنها الدستور، في الوقت الذي تم العبث فيه بالمقدرات المالية لتلك الشعوب. مرة أخرى، مَن يُدير اللعبة؟ وإذا خمّنا أن للولايات المتحدة دوراً في ذلك، وهو دور مقدر فيما يتعلق بمحاصرة الديكتاتوريات ومنح الحريات وإرساء دعائم المجتمع المدني والتوجه الديمقراطي، فهل سيستمر هذا الدور إلى أبعد من تلك المساحات الجغرافية، أم أنه سيتوقف حسب الظروف وحسب المصالح؟ الظروف، تلك هي الإشكالية التي تجعلنا نتخوف من الانتقائية في تحديد شكل وحجم الظروف التي يراها البعض. أما إذا كانت الولايات المتحدة بريئة من ذلك -على رغم التجارب السابقة في أفغانستان والعراق- فمن ذا الذي يغذي الثورات العربية؟! وهل سيصل ذاك الغذاء إلى دول عربية أخرى؟ نحن -كعرب- اقتنعنا بتميمة البوعزيزي في تونس، ولكننا نجهل كل الحقيقة، وقد تظهر بعض الحقائق لأبنائنا حول الثورات العربية التي اندلعت هذا العام. وقد يبدو السؤال ساذجاً اليوم، ولكن أولادنا وأحفادنا سوف يقرؤون حقيقة المواقف لأن الحالة السياسية اليوم قد لا تسمح بكشف المستور. ولكن من حقنا أن نتساءل من غّذى الثورات العربية، أم أنها كانت دون غذاء؟