يقول بعض السفراء بأن عضوية فلسطين في "اليونسكو" قد تكون بداية لطلب العضوية في غيرها من منظمات الأمم المتحدة، مما يثير مخاوف الدول غير الراغبة في اتخاذ خطوات احترازية تمنع مثل هذا التكتيك. وعندما صوت المجلس التنفيذي في اليونسكو لصالح عضوية فلسطين، اعترضت فقط أربع دول وامتنعت دول الاتحاد الأوروبي، وتماسكت الدول الإسلامية والعربية ودول أميركا اللاتينية والدول الإفريقية لصالح العضوية، لكن لما عرض الموضوع على الجمعية العامة، كان الكل يراهن على الموقف الفرنسي الذي فضل إلى آخر لحظة أن لا يفصح عن توجهه، إلى أن جاءت المفاجأة بتأييد فرنسا للعضوية، مما دفع بعض دول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف مماثل لفرنسا. لقد حازت دولة فلسطين على العضوية الكاملة، لكن سوف تترتب على عضويتها بعض المشاكل والصعوبات لمنظمة اليونسكو، أهمها نقص التمويل لإنجاز المشاريع الإنسانية. وقد أفصحت المديرة العامة للمنظمة عن أن مشاريع حيوية ستتضرر، وعلى الدول الأعضاء البحث عن تمويل بديل لكي تواصل المنظمة تأدية رسالتها. الفرحة كانت كبيرة بالنسبة لمن أيّد العضوية، والخيبة أكبر لمن عارضها. لكن كيف يمكن الوصول إلى السلام والتنمية في المنطقة؟ هذا ما يواجهنا اليوم، ولا نعتقد أن عضوية المنظمات الدولية ستحقق مشروع الدولتين طالما العمل العربي بقي ممزقاً برؤيته وعاجزاً عن التصالح مع النفس. العرب ما زالوا غير عازمين على تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية، لأن نهاية القضية تعني نهاية الورقة الفلسطينية التي استخدمت كحجة لعرقلة التطور من جانب، ولاستمرار الدكتاتورية من جانب آخر. فالحكم في سوريا يبرر موقفه الآن بوجود مؤامرة عالمية لإجهاض المقاومة وتحقيق حلم الدولتين، وكذلك الرئيس اليمني يبرر موقفه بمحاربة العنف والإرهاب. وفي الحالتين لدينا نظم تعودت على المراوغة وعشقت الاستبداد والتفرد بالسلطة، وبالتالي حل الموضوع الفلسطيني هو نهاية للورقة الرابحة وخسارة فادحة لأنظمة تأكل على مائدة فلسطين، مما يعني أن عرقلة الحل عربية في المقام الأول. يبدو لنا أن الربيع العربي الذي غيّر كثيراً من معالم السياسة العالمية ودفع فرنسا لاتخاذ الموقف المؤيد، عاد مصدر قلق لكثير من أنظمة الحكم لأنها أدركت خطورة التحولات وأرادت لملمة الصفوف والتفكير ببدائل تجهض التحول. قالوا لا صوت يعلو فوق صوت المعركة؛ فتأجلت كل المشاريع، باستثناء مشروع البقاء في السلطة وتأبيدها، فصوت المعركة يجب أن يرتفع ويعلو، وعلى كل الغاضبين في اليمن وسوريا أن ينصتوا ويؤجلوا حلمهم الوردي، أو بالأحرى انتظار فرج السماء. لكن هل تسير الأحداث كما يشاؤون أم أن قوانين الطبيعة لهم بالمرصاد؟ حالة الاستبداد تاريخية، ولها جذورها في الشخصية والتراث العربي والإسلامي، ومقاومته لن تكون سهلة، فالحكم له مغرياته مما يجعل التمسك به غاية، وهذا ما يفسر مراوحة الوضع في سوريا واليمن. وبالمقابل فالتحرك الشبابي ليس بالأمر الهين، وسقوط أنظمة مستبدة يدفع نحو التمسك بالتغيير، فضلاً عن أن انتشار الفساد وزيادة الفوارق الاجتماعية ونهب الثروات... أمور تغذي الحركات الشبابية في دول الربيع العربي وتدفعها نحو مزيد من مقاومة الاستبداد.