"هوايات القادة والزعماء" التي يمارسونها في أوقات فراغهم ليست كلها من أجل الاستمتاع بوقت الفراغ أو التسلية، وإن كان هذا مهماً من أجل تفريغ شحنات الوظيفة السياسية الشاقة. لكن في أغلب الأحيان، تكون هواية الرئيس من أجل تمرين النفس وتدريبها على تحمل ضغوط العمل السياسي. وللاستفادة منها أيضاً في إدارة الأزمات السياسية وحالات الطوارئ، وهي كثيرة في حياته. بل إن هناك مدارس في "فن التفاوض"، سواء بين الدول أو بين قائد وشعبه، وهي كثيرة هذه الأيام، ما يتطلب استخدام مهارات معينة تتجاوز الإنسان العادي. الرئيس الروسي بوتين أشهر القادة السياسيين في ممارسة الرياضة والاهتمام بها، بل إن كثيراً من المحللين السياسيين يربطون بين "الجودو"، الرياضة المفضلة لبوتين، وبين قراراته الاستراتيجية التي تحتاج للقوة والهدوء في مواجهة الخصم. طبعاً هناك الرئيس الفرنسي ساركوزي، النقيض لبوتين، الذي يهوى الجري، لأنه يعمل على الحفاظ على رشاقة الجسم واللياقة، لأغراض غير سياسية! أجهزة الاستخبارات تهتم كثيراً بجمع المعلومات حول تفاصيل الحياة اليومية للقادة والزعماء من أجل تحليل شخصية هذا القائد أو ذاك، كي تستطيع معرفة التعامل معه وقراءة ردة فعله حول بعض التصرفات. وهناك اهتمام بأن يعرف كل قائد معلومات عن الشخصية التي سيجتمع معها، إما من باب التأثير عليه أثناء التفاوض أو من باب إشعاره بمدى الاهتمام به مجاملة له! وهناك قصة سياسية طريفة نقلها الكاتب المصري الراحل أنيس منصور في أحد أعمدته عن الرئيس الأسبق السادات لها علاقة بمتابعة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" لتصرفاته الشخصية، وذلك عندما كان في زيارة لتل أبيب عام 1977 لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، إذ قدمت له زوجة بيجن طبقاً من سلطة الفواكه وقالت له إنني أبعدت عنك "الكيوي" لأنها ثمرة لا تحبها، فاستغرب السادات للمعلومة. تذكرت تلك القصة وأنا أتابع الرؤساء العرب في تعاملهم خلال الربيع العربي مع المحتجين وكيفية إدارتهم للأزمة. يرجع المحللون حالة الرئيس المصري السابق مبارك في التعامل مع الجماهير، والذي اتسم بالهدوء والتجاهل من جانبه رغم تصاعد وتيرة الاحتجاجات، إلى هوايته "رياضة الإسكواش" التي بطبعها تجعلك تتعامل مع جسم صلب بلا ردة فعل (أي الحائط) ما ينمي عند لاعبها العناد والتصلب، لأن التركيز يكون في اللياقة وضرب الكرة بقوة، دون الانتباه إلى الطرف الآخر. فمبارك كان يعتقد أن الطرف الآخر أقرب لأن يكون الحائط والأرض والكرة والمضرب فقط. صعب على المحللين فهم طريقة تعامل باقي الرؤساء العرب مع شعوبهم. والكل ردد أن دولته "غير"، لكن في النهاية نجد أنها لم تختلف. لا أحد يعرف هواية الرئيس بشار ولا القذافي ولا صالح ولا بن علي، باعتبارها مفتاحاً لمعرفة طريقة إدارتهم للأزمة. الواضح لنا أن العناد في التعامل مع شعوبهم كان يدفعهم إلى رفض مطالب المحتجين حتى ولو أدى ذلك الرفض بصاحبه إلى الهروب أو السجن أو القتل. ما أريد قوله هو أن علماء النفس بدؤوا يهتمون بدراسة "نفسية القائد"، ويعتقدون أن التفاصيل الجانبية للقادة، ومنها هواياتهم، مهمة في معرفة طرق تفكيرهم في إدارة الأزمات، فهي مرآة سيرة الرؤساء، بل إن هذا العلم يستخدم في تفسير بعض تصرفاتهم، والاستدلال على ما يقومون به من أعمال دون أن يدركوا.