في المشهد، رجل بدين في منتصف العمر يركض وراء حافلة، لكنه فجأة يمسك بصدره ويسقط على الأرض ليفارق الحياة بسبب نوبة قلبية حادة. وعند البحث تبين أن الرجل كان مدخناً شرهاً ومريضاً بداء السكري، كما كان يعاني من ارتفاع في ضغط الدم، ويأكل طعاماً غنياً بالدهون المشبعة ولا يحتوى على الكميات الكافية من الخضار والألياف، ولا يتورع عن سكب الملح على كل شيء... ناهيك عن تناوله الكحول، ولا يقوم بأية تمارين رياضية. وفوق كل هذا وذاك، كان لديه أب وجد واثنان من أعمامه ماتوا جميعاً بنوبات قلبية... فمَ الذي تسبب في وفاة الرجل؟ الحقيقة أن العديد من الناس باتوا على دراية بالأخطار الصحية بما يكفي ليكتشفوا أن السؤال ملغوم، بحيث يصعب اختيار عامل من العوامل على أنه السبب الرئيس وراء وفاة الرجل. لكن مهما كان السبب، سواء نظامه الغذائي السيئ، أو الجينات الموروثة من العائلة، فإنه يمكن الجزم بثقة أنه كلما تراكمت عوامل الخطر تزايدت احتمالات الوصول إلى النتيجة المأساوية. لكن رغم ذلك، يرى العديد من الناس أنه من الممكن إرجاع الحالات الجوية القصوى التي تشهدها بعض المناطق، بما فيها الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف وغيرها، إلى عامل واحد يتمثل في الاحتباس الحراري والتغير المناخي. والحال أن مثل هذه الفرضية لا يمكن التحقق منها، بل فقط يمكن الجزم، كما يفعل العلماء، بأن ضخ المزيد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الجو يضاعف احتمال حصول الكوارث الطبيعية تماماً مثلما يضاعف النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة احتمال الإصابة بنوبة قلبية. وفي هذا السياق يمكن الإشارة على سبيل المثال إلى الفيضانات الكبيرة التي تهدد بإغراق العاصمة التايلاندية بانكوك، فمنذ الصيف الماضي وأمطار طوفانية تهطل على المناطق المرتفعة في تايلاند لتزيد من حمولة الأنهار من المياه، بما فيها نهر "تشاو برايا" الذي يخترق العاصمة. ومن جراء ذلك هرب العديد من السكان إلى المناطق الجافة خوفاً من انهيار الحواجز التي تحول دون تسرب المياه، لاسيما خلال نهاية الأسبوع الماضي عندما اجتاح ما يشبه التسونامي القادم من شمال البلاد المناطق الجنوبية لتصب المياه في خليج تايلاند، فيما كانت أمواج كبيرة غير مألوفة تغمر النهر الذي بدوره يدفع المياه نحو المدينة المنكوبة، وهو ما عبرت عنه رئيسة الوزراء التايلاندية، "ينجلوك شناواترا"، في لقاء مع "نيويورك تايمز" قائلة: "يبدو أننا نحارب قوى الطبيعة". لكن وكما يعرف الخبراء، فالطبيعة ليست هي المسؤولة الوحيدة عن استهداف مدن مثل بانكوك بالكوارث التي تشهدها حالياً، ولا يمكن أيضاً القول إن التغيرات المناخية هي المسؤولة لوحدها عن مشاكل المدن، فقبل ظهور المدن الساحلية الكبرى، كان قليل من الناس يعانون من آثار التغيرات المناخية. وبحسب الدلائل العلمية المتوافرة حالياً، يساهم عدد السكان الكبير والمتضخم في المدن، بالإضافة إلى البنية التحتية غير الملائمة، في تعريض حياة الناس للخطر، وهو ما يقودنا إلى استنتاج أن وجود المدن العملاقة هو نفسه أحد عوامل الخطورة في الكوارث الطبيعية. ولا ننس مثلاً أن مدينة مثل بانكوك تضم 15 مليون نسمة، وهو بمثابة عامل ارتفاع الضغط الذي قد يسبب النوبة القلبية. لكن ذلك لا ينفي التدخل البشري وعامل الاحتباس الحراري في خلق العوامل المؤدية إلى الكوارث الطبيعية، فقد أظهر العلماء أن تنامي الأمطار الطوفانية في السنوات الأخيرة يرجع في جزء منه إلى الاحتباس الحراري. وقد لا تحمل الأمطار الغزيرة التي تساقطت على جنوب شرق آسيا خلال هذه السنة، بصمة واضحة للتغير المناخي في جميع الحالات، إلا أنه -وبصفة عامة- من المحتمل استمرار الأمطار الثقيلة في السنوات المقبلة. ورغم أن ارتفاع مياه الأنهار في الأسبوع الماضي يرجع أكثر إلى حركة القمر وعلاقتها بالأرض والشمس، إلا أن ذلك لا ينفي دور الاحتباس الحراري في رفع منسوب المياه في البحار، بل الأكثر من ذلك، يمكن ملاحظة تأثير الاحتباس الحراري في الكوارث التي نشهدها، لاسيما في العواصف والأعاصير، من خلال الحدة التي باتت تميزها مقارنة بالسابق والناتجة عن ارتفاع حرارة مياه المحيط، فمعروف أن العواصف والأعاصير تصبح أكثر شراسة وهي في المحيط متجهة نحو اليابسة بفعل المياه الدافئة للمحيط. ويعرف الناجون من إعصار كاترينا في الولايات المتحدة أن ما يتسبب في الخسائر ويرفع أعداد القتلى، ليست الأمطار القوية ولا الرياح الشديدة، بل حدة وعلو الأمواج التي تضرب الساحل. وفيما ضربت النوبة القلبية في السنة الماضية مدناً مثل تكساس وأوكلاهوما، بعدما حل بهما جفاف غير مسبوق وسُجلت درجات حرارة قياسية، جاء الدور هذا العام على بانكوك لتغرقها الفيضانات. ومع أن هذه الكوارث وغيرها قد تقف وراءها عوامل طبيعية، مثلما يموت البشر أحياناً بنوبات قلبية دون وجود أسباب، يبقى للعوامل المصاحبة، مثل التغير المناخي والاحتباس الحراري، دور مهم في زيادة احتمالات حدوث الكارثة. مايكل ليمونيك كاتب أميركي متخصص في الشؤون المناخية ---------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"