أكدنا في المقالات السابقة أن أساس النظام الديمقراطي يقوم على قاعدة فتح المجال السياسي وجعله مجالًا لمنافسة مفتوحة بين كل القوى السياسية في المجتمع؛ ومسألة تنظيم اللعبة السياسية من أصعب قواعد الديمقراطية لأنها مسألة سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية؛ إذ لا تكفي المبادئ العامة في الدساتير أو القوانين السامية للبلدان لإعمالها وإنجاحها إذ لابد من ترسانات وذكاء قانوني لتكون شجرة الديمقراطية طيبة الثمار. ما معنى هذا الكلام؟ الأحزاب السياسية ورثت إرثاً ثقيلًا بسبب السلطوية السياسية داخل المجتمع وداخل الأحزاب نفسها؛ الآن وكما هو شأن مصر، لم تعد الأحزاب السياسية تخاف الإرث السلطوي داخل المجال السياسي وقسْ على ذلك مثال تونس، حيث كانت المنافسة السياسية غائبة داخل المجال السياسي العام بسبب هيمنة حزب الدولة (التجمع الدستوري الديمقراطي) وكانت المنافسة في عهد بن علي بين رجال ونساء داخل الحزب الحاكم الواحد! ولكن تلك الأحزاب (القديمة) أو التي خلقت مؤخراً يجب أن تتخلى عن المناهج السلطوية داخل الأحزاب، سواء في العلاقة بين القمة والقاعدة في تسيير الحزب، أو في كيفية تقديم المرشحين وإعطاء التزكيات لهم ليتقدموا في الانتخابات، وهذه النقطة الأخيرة هي التي تهمنا في هذا الجانب. إن المجال التمثيلي هو مجال استراتيجي سواء في التمثيلات المحلية أو التمثيلات الوطنية (أي التشريعية)، وهو مجال استراتيجي إن لم نقل مصيريّاً للبلدان لأن ممثلي الشعب هم المعنيون بالتشريع وتسيير الشأن العام؛ قد يكون الدستور مثاليّاً وقد يصل الذروة في إعمال العقل والاجتهادات ومطابقة القوانين المنطقية العالمية التي آتت أكلها في أمصار منذ عقود، ولكن إعمال هذه القوانين السامية في البلد يمكن أن يكون مفتقداً إلى قوانين تنظيمية وقواعد عامة، وإلى فاعلين ورجالات دولة مقتدرين ما يجعل المسار الدستوراني مجهول المصير فيحدث انفصال بين منطوق النص والممارسة السياسية. إن الدول التي وقع فيها حراك اجتماعي كتونس ومصر، كان محركها الأصلي هم الشباب؛ والشباب فئة عريضة في المجتمع العربي عاشت سنوات من النسيان داخل المجال السياسي، وآن الأوان ليدخل إلى مجال التطبيق الفعلي أي داخل الأحزاب وفي مجال تسيير الشأن العام والقوانين التنظيمية التي غالباً ما تأتي مكملة للدساتير عليها مراعاة هذا الجانب وفرض بعض التقنيات الفنية والقانونية على الأحزاب لتكون فئة الشباب والنساء حاضرة في اللوائح الانتخابية وتحت قبة البرلمان وفي المجالس المنتخبة المحلية؛ وبإمكاننا أن نعطي مثالاً للتجربة المغربية الحالية. فبالرجوع إلى نتائج الانتخابات التشريعية المغربية لسنوات 1997 و2002 و2007 من حيث الهرم العمري للمرشحين الفائزين، يتبين أن عدد النواب الذكور الذين لم يكن يتجاوز سنهم 40 سنة بتاريخ انتخاب مجلس النواب في السنوات المذكورة تميز بالتناقص، حيث انتقل من 71 عضواً سنة 1997 إلى 41 عضواً سنة 2002 إلى 36 عضواً سنة 2007، الشيء الذي يجعل هذه الفئة العمرية في مجال تمثيل المواطنين في مجلس النواب في وضعية متدنية لا تعكس حجمها ودورها داخل المجتمع المغربي، وهذا يشكل عائقاً أمامها في عملية الانخراط والمشاركة في التنمية السياسية للبلاد. ولهذا السبب تشكل اللائحة الوطنية التي ستقدم برسم الانتخابات التشريعية المقبلة بتاريخ 25 نوفنبر 2011، الإطار الذي حدده المشرع للرفع من عدد النساء المنتخبات بمجلس النواب، حيث سيصل إلى 60 (عوض 30 التي كانت بمجلس النواب والمخصصة في الانتخابات السابقة بصفة ضمنية)، بالإضافة إلى 30 منتخباً من الذكور الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم الأربعين سنة. كما تنص المادة 23 من القانون التنظيمي على أن لائحة الترشيح الوطنية يجب أن تتضمن اسمين متتابعين لمرشحتين من النساء يليهما اسم مرشح واحد ذكر، كما يجب أن تخصص المرتبة الأولى لترشيح نسوي، إلى غاية استكمال عدد 60 المطلوب قانوناً. ولم يكن بوسع المشرع وضع قواعد التمييز الإيجابي هذه بالتنصيص صراحة على ترشيح هذا العدد من النساء وطنيّاً (علماً أنه يمكن ترشيح نساء على المستوى المحلي أيضاً)، لولا أن الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 قضى في مادته 30 على أنه "ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية". وبالإضافة إلى ما سبق، ومن أجل ضمان الفوز بمقاعد على مستوى اللائحة الوطنية بالنسبة لكافة القوى السياسية حتى الصغيرة منها، عمل المشرع على خفض نسبة العتبة المطلوبة للمشاركة في توزيع المقاعد من 6 في المئة المعمول بها سابقاً إلى 3 في المئة. كما أن القانون التنظيمي أورد تعديلًا يتعلق بالسن القانوني للترشيح لعضوية مجلس النواب، حيث خفض سن الترشيح من 23 سنة إلى سن الرشد القانوني الذي هو 18 سنة، عملًا بأحكام الدستور الجديد الذي ينص على تشجيع المشاركة السياسية للشباب. وكما قال عبدالإله بلقزيز، فإن الدستور حين ينشأ، لا يفعل أكثر من التعبير عن التحولات (المجتمعية) في علاقة من التأطير الحقوقي الذي تنتظم فيه السلطات، فهو شبيه بقواعد النحو والصرف التي لا تخلق اللغة -وصفها فعالية- بقدر ما تنظمها في بنيات مورفولوجية، أو العَروض الذي لا يصنع الشعر، وإنما ينظم إيقاعه، فالفاعلية سابقة بالضرورة على وعيها وعلى التعبير النظري عنها، والفاعلية هنا في المجال السياسي تحتاج إلى ذكاء قانوني ودهاء سياسي يشرك الشباب في المجال السياسي والشأن العام.