تقوم الهوية الوطنية على أركان رئيسية أهمها الأسرة والتعليم والإعلام، وهي الجهات التي تتولى تعليم الهوية الوطنية وحفظها ونقلها للأجيال، وإن أخلت أي من هذه الجهات بدورها تجاه المحافظة على الهوية الوطنية حصل خلل، خلل في هوية الأبناء، فكيف سيكون الأمر إن قصرت جميع هذه الجهات في أداء دورها؟ لقد كان ملتقى الهوية والإعلام الذي أقامه المجلس الوطني للإعلام، بالتعاون مع مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية منذ فترة قريبة محاولة لتلمس أوجه القصور وواقع الحال بشأن دور وسائل الإعلام في دولة الإمارات في حفظ الهوية الوطنية. وقد اتفق معظم المشاركين من الإعلاميين والأكاديميين في جلسات الملتقى على أن وسائل الإعلام كانت تخدم الهوية الوطنية في السابق بصورة أفضل من الوقت الحالي، خاصة القنوات التلفزيونية التي لم تعد تهتم كثيراً بما يخدم الهوية الوطنية بعد أن حولت بعض هذه القنوات الوطنية نظام عملها إلى المبدأ التجاري وإنتاج أو بث ما يجلب الإعلانات، فتسابقت في عرض المسلسلات المدبلجة، والبرامج المستنسخة، ولم يعد للبرامج المحلية التي تخدم الهوية الوطنية نصيب كبير في الدورات البرامجية، باستثناء التجارب المتميزة لبعض القنوات الفضائية والجهات الإعلامية المحلية. لا ينبغي أن يتوقف الأمر على تشخيص وتحليل أزمة الهوية الوطنية في الإعلام المحلي، ولكن يتعين أن تكون هناك مبادرات يقودها المجلس الوطني للإعلام مع وسائل الإعلام المحلية، لتقديم منتج إعلامي يصب في خدمة الهوية الوطنية. ومن أجل إعلام يخدم الهوية الوطنية، يجب أن يكون المنتج قادراً على جذب الجماهير، فما كان يصلح قبل عقود من برامج تراثية ومحلية قد لا يصلح عرضه هو نفسه كمنتج اليوم.. وإلا قد ينصرف الجمهور عن وسائل الإعلام المحلية ويتجه إلا الفضاء العالمي الذي فيه كثير من البرامج التي تجذب المشاهدين. إن تحقيق التوافق بين منتج إعلامي يخدم الهوية الوطنية، وبين مبدأ الربحية التجارية أمر ممكن وهما ليسا نقيضين، ولكن تحقيقه يحتاج إلى إبداع وعزيمة، من أجل المواءمة بين منتج يخدم الهوية وفي نفس الوقت ربحي يحقق مردوداً ماديّاً. وهناك أمثلة تجدر الإشارة إليها في هذا الإطار مثل برنامج "شاعر المليون"، ومسابقة "اليولة"، وبرنامج "منشد الشارقة"، وبعض أفلام الكرتون المحلية مثل "فريج" و"شعبية الكرتون". إن هذه المبادرات الناجحة والمتميزة ليست كافية إذا ما قورنت بالكم الذي يعرض في وسائل الإعلام المحلية ويؤثر على الهوية. وهناك حاجة ملحة لعمل برامجي واسع النطاق من هذا النوع وفي شتى المجالات الإعلامية، ليس فقط في الأعمال التلفزيونية والسينمائية، وإنما أيضاً في الإعلام المطبوع والإلكتروني، والرقمي. إن أي عمل أو منتج إعلامي وطني يخدم الهوية ينبغي ألا يكون خاليّاً من القيم المرتكزات التي يتعين على القائمين على إنتاج البرامج النظر إليها بعين الاعتبار، لتنمية مجموعة من هذه القيم عند وضع خطط برامجهم، وهي قيم يفترض أن تكون منهجاً لكل مؤسسة إعلامية وطنية، تنطلق منها في عملها الإعلامي الوطني مثل قيمة الاتحاد ذلك الرباط المقدس الذي يربط بين الإمارات السبع التي شكلت بفضل هذا الرباط بناءً حضاريّاً راسخ الأركان وشامخ البنيان. وكذلك قيم الولاء والانتماء للوطن والقيادة، وترسيخ قيمة المواطنة الصالحة بأن يكون كل فرد من أفراد المجتمع له دور مؤثر وإيجابي في المجتمع. وقيمة تعزيز اللغة العربية، وقيمة المحافظة على التراثين المادي والمعنوي. وكذلك قيمة إبراز المنجزات المحلية، والموازنة ما بين قيم العولمة والانفتاح والمحافظة. على مؤسساتنا الإعلامية الوطنية العمل على بلورة هذه القيم وغيرها من القيم الوطنية وجعلها أساس العمل الإعلامي المقدم للجمهور.. فمن خلالها نستطيع أن نرتقي بإعلام يخدم الهوية الوطنية.