هواجس أفول التيارات الحداثية التونسية... ومخاوف من تفكك الوحدة النقدية الأوروبية! المخاطر المالية التي تواجهها منطقة "اليورو"، واستجابة قمة مجموعة "العشرين" للمحنة النقدية الأوروبية، وخسارة التيارات العلمانية في انتخابات تونس، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. مستقبل منطقة "اليورو" في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو قال الكاتب بيير روسلين إن أوروبا الموحدة تجد نفسها اليوم أمام سابقة، هي ترك بلد أوروبي عضو في مجموعة "اليورو" يواجه مصيراً اقتصاديّاً قاتماً دون أن تكون ثمة تدابير فعالة حقيقية قادرة على انتشاله من ورطته المالية، والإشارة هنا إلى اليونان، التي خف الزعماء الأوروبيون في البداية لنجدتها ولكن حماسهم لذلك ظل يتناقص بشكل محسوس، حتى وصلت الأمور الآن إلى الموقف الصارم الذي اتخذه مؤخراً ساركوزي وميركل حين قالا إن اليونان لن تسطيع الاستفادة ولو بـ"سانتيم" واحد من مخصصات برنامج الدعم الأوروبي، المتفق عليه في 27 أكتوبر المنصرم، طالما أن حالة عدم اليقين بشأن الاستفتاء هناك حول الموقف من منطقة "اليورو" لم يحسم أمرها بشكل قاطع. وبسرعة أصبح الثنائي الفرنسي الألماني يملي سياساته ورؤاه على اليونان، ويحدد لها ما ينبغي أن تتخذ من تدابير وإجراءات لتلافي تداعيات أزمتها المالية الجارفة. وبالنسبة للاستفتاء الذي اقترحه رئيس الحكومة اليونانية "باباندريو" يقضي بأن يختار بموجبه اليونانيون بين البقاء في منطقة "اليورو" وبالتالي تحمل تبعات الاستمرار في هذه العضوية الصعبة، أو الخروج منها، ولا يبدو أن هنالك تعويلاً جديّاً في أثينا على برنامج الإنقاذ الذي صادق عليه الأعضاء السبعة عشر في الوحدة النقدية الأوروبية. ويمضي الكاتب معتبراً أن الأمر في الحالة اليونانية الآن ليس لعبة بحيث يكون في مقدورها الدخول في سلسلة مفاوضات مع شركائها الأوروبيين بشأن تدابير أكثر مواتاة للخروج من أزمتها المالية الكارثية، كما كان حال إيسلندا التي رفضت اعتماداً على استفتاء عام سداد الديون المستحقة عليها. ومفهوم أن التساهل غير ممكن اليوم مع أزمة اليونان حتى لا يفتح ذلك باباً للمزايدات من قبل دول متعثرة أخرى الآن أو في المستقبل القريب. وهذا الحزم الأوروبي هو ما دفع ساركوزي وميركل للضغط علي باباندريو لتسريع الاستفتاء، وقد نجت حكومته من السقوط فيه أول من أمس الجمعة. وفي الختام يقول روسلين إن المشروع الأوروبي الذي لم يشهد أي انتكاس أو تراجع بدأ يستكشف الآن أراضي مجهولة، كما أن هواجس تفكك هذا المشروع أو فشله لم تعد مجرد كلام مطلق على عواهنه، بل لقد أصبحت خطراً دائماً وقائماً وحقيقيّاً. وفي مقال ثانٍ في صحيفة لوموند تحت عنوان "نحو أوروبا فيدرالية"، قال الكاتب "أوليفييه فيران" إن الأزمة المالية الأوروبية، والاهتزازات التي تعرض لها من ورائها البناء الأوروبي الموحد، ينبغي أن تكون دافعاً للتسريع بإيجاد أوروبا- فيدرالية. والحال أن عدداً متزايداً من الخبراء والسياسيين يرون أن الاندماج الاقتصادي والمالي لن يكتب له البقاء والنجاح ما لم يتأسس على رافعة من الاندماج السياسي بين البلدان الأوروبية. والجديد في هذا الطرح أن هنالك كثيرين يرون أن أوروبا إذا توحدت فيدراليّاً فإن في استطاعتها مع ذلك أن تسير بسرعتين مختلفتين، نظراً لتفاوت وعدم تناسب قدرات وإمكانيات الدول الأعضاء في المشروع الأوروبي الموحد. قمة العشرين ضمن ملف تحليلات حول قمة مجموعة "العشرين" التي انعقدت في مدينة "كان" الفرنسية يومي الخميس والجمعة الماضيين، نشرت صحيفة لوموند تحليلاً تحت عنوان "على مجموعة العشرين اجتراح حلول جديدة للخروج من الأزمة"، قال كاتبه إن زعماء ورؤساء وفود مجموعة العشرين الذين يمثلون كتلة تستحوذ عمليّاً على 90 في المئة من الناتج العالمي الخام، كانوا محط أنظار العالم أجمع لأنهم هم أمله في إمكانية تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية. والحقيقة أن الأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم الآن ليست فقط خاصة بأسواق المال وإنما تطحن أيضاً بين قطبي رحاها ملايين الناس ممن يجدون أنفسهم على قارعة الطريق وقد فقدوا فرص أعمالهم، وعشرات الملايين الآخرين ممن يكافحون للحصول بالكاد على ما يسدون به رمقهم. ولاشك أن الأزمة الإنسانية الراهنة التي تضرب منطقة القرن الإفريقي تذكرنا جميعاً بأن البلدان والمناطق الأكثر هشاشة في النظام الدولي هي من يدفع في النهاية ثمن الأزمات الاقتصادية غاليّاً. واعتبر الكاتب أن في مقدور قادة مجموعة "العشرين"، إن توافرت الإرادة، إيجاد حلول لبعض أخطر التحديات المالية والاجتماعية والطاقية التي تواجه العالم اليوم، مشيراً في ختام تحليله إلى أن الأزمة المالية الراهنة، بكل إسقاطاتها الاجتماعية والاقتصادية، بلغت درجة من العمق والخطورة أصبح معها لزاماً على الجميع اجتراح حلول تجديدية غير تقليدية، قادرة على احتواء المخاطر وإيجاد البدائل الأكثر قدرة على الاستدامة. وعلى قادة "العشرين" أن يعرفوا أن كل ما يحققونه من إنجازات وحلول سيكون تأكيداً لزعامة هذه المجموعة لنظام دولي يعلق عليها كثيراً من الآمال والتطلعات. وفي افتتاحية لصحيفة ليبراسيون قالت إن استجابة مجموعة "العشرين" ليست وحدها كافية لاحتواء كارثة الديون اليونانية، بل لابد أن تأتي هذه الاستجابة من خلال تدابير أوروبية تحديداً، تشتغل على المستوى الاستراتيجي الاقتصادي عامة وليس فقط على مستوى التكتيكي المالي خاصة، على أن تكون في كل الأحوال فعالة وقادرة على حماية منطقة اليورو من التفكك والاندثار. تونس: هزيمة الحداثيين تحت هذا العنوان كتبت "إيزابيل ماندرو" تحليلاً سياسيّاً في صحيفة لوموند قالت فيه إن الفوز الذي حققته حركة "النهضة" التونسية في انتخابات المجلس التأسيسي الأخيرة، جاء في سياق عام نظر فيه الناخبون التونسيون إلى الحركة باعتبارها بديلاً طبيعياً وممكناً للواقع الذي كان قائماً في تونس خلال سنوات حكم بورقيبة، رئيس مرحلة ما بعد الاستقلال، الذي اتسم بالتشديد على الطابع العلماني الحداثي للدولة، ثم مرحلة الـ23 سنة من ديكتاتورية نظام زين العابدين بن علي. ومع هذا لا يمكن القول إن حركة "النهضة" هي من قاد احتجاجات الربيع التونسي مطلع هذا العام، بل الأقرب إلى الدقة القول إن قادتها كانوا كغيرهم متفرجين على ثورة الشباب التونسي ضد ديكتاتورية الرئيس المخلوع. ومثل كثير من وجوه الطبقة السياسية والبورجوازية التونسية انتظر قادة "النهضة" حتى أوشكت الثورة على الظفر ليلتحقوا بركبها في اللحظة الأخيرة. وبعد انهيار نظام قرطاج السابق بدت التيارات السياسية العلمانية والحداثية في مقدمة الصورة وخاصة خلال الفترة الأولى من المرحلة الانتقالية، إلا أن الأمور أخذت منعطفاً آخر خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، حيث فشلت التيارات العلمانية في التوافق على إيجاد لائحة موحدة لمواجهة مد تيار "النهضة"، وطغت على أدائهم خلالها المطامح الشخصية والتنافسات الحزبية، كما أهملوا التعبئة في بعض مناطق البلاد، هذا في حين أعادت "النهضة" تنظيم صفوفها وأحيت خلاياها المنتشرة في عموم الجمهورية، وكانت النتيجة بالتالي تحصيل حاصل، حيث تمكنت "النهضة" من تحقيق فوز واسع في الانتخابات لتسجل بذلك خسارة واسعة مقابلة للتيارات العلمانية والحداثية التونسية. ولعل ما يمكن قوله أخيراً، تؤكد الكاتبة، هو أن التيارات العلمانية والتقدمية هي من فوتت على نفسها فرصة الإمساك بزمام المبادرة لتقرير اتجاه ومصير تونس الجديدة. إعداد: حسن ولد المختار