ندرك جميعاً، أو على الأقل الغالبية العظمى منا، أهمية النشاط البدني وممارسة الرياضة بشكل منتظم، في الوقاية من طائفة متنوعة ومتعددة من الأمراض، مثل زيادة الوزن والسمنة المفرطة، وما ينتج عنهما من قائمة طويلة من الأمراض، كارتفاع مستوى الكولستيرول في الدم، وبعض الأمراض السرطانية، وداء السكري، وأمراض القلب والشرايين، مثل الذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية. كما أن التمارين الرياضية والنشاطات البدنية، تلعب دوراً إيجابيّاً مباشراً في انتظام وكفاءة العديد من الأعضاء والوظائف داخل الجسم. وهو ما يعني أنه حتى لدى الأشخاص ذوي الوزن المناسب، والوزن المنخفض، تمنح التمارين الرياضية العديد من الفوائد الصحية الإضافية، بخلاف دورها المعروف في توفير الوقاية ضد كثير من الأمراض. وهذه الفوائد الإضافية زادت مؤخراً فائدة أخرى، لم تكن معروفة من قبل، ألا وهي الوقاية من قِصر النظر لدى الأطفال، فحسب دراسة عرضت نتائجها الشهر الماضي ضمن فعاليات المؤتمر السنوي للأكاديمية الأميركية لطب العيون (American Academy of Ophthalmology) في ولاية فلوريدا، ظهر أنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه الأطفال في اللعب خارج المنزل، مثل الحدائق، والمتنزهات، والشواطئ، والأندية، كلما قلت احتمالات إصابتهم بقِصر النظر. فمن خلال تحليل نتائج ثماني دراسات سابقة، شملت أكثر من 100 ألف طفل وشخص بالغ، توصل علماء جامعة "كامبريدج" ببريطانيا إلى أن كل ساعة إضافية يقضيها الطفل خارج جدران المنزل، تترجم إلى انخفاض في احتمالات الإصابة بقصر النظر بنسبة 2 في المئة. وهو ما يعني أن الطفل الذي يلعب في الخارج 4 ساعات خلال الأسبوع الواحد، تنخفض احتمالات إصابته بقصر النظر بنسبة 2 في المئة مقارنة بنظيره الذي يقضى 3 ساعات في اللعب الخارجي. وإذا ما كان الفرق ساعتين، فعندها تنخفض تلك الاحتمالات بنسبة 4 في المئة، وهلم جرّاً. ويعتقد العلماء أن السبب في هذا الفارق، هو تعرض أجزاء العينين للضوء الطبيعي، واستخدامهما للنظر إلى أجسام تقع على مسافات متوسطة وبعيدة، مقارنة بالبيئة المنزلية، التي غالباً ما تقتصر الرؤية فيها على المسافات القريبة، في ظروف إضاءة اصطناعية. وقِصر النظر هو أحد عيوب الانكسار التي تصيب العينين، وتنتج عن كون الضوء الداخل إلى العين وعبر العدسة لا يتجمع في بؤرة فوق الشبكية، بل أمامها، بينما تتكون البؤرة خلف الشبكية في حالة طول النظر. والملاحظ أن عيوب الانكسار البصرية بين أفراد الجنس البشري قد شهدت زيادة ملحوظة خلال العقود الماضية. حيث يقدر أن ما بين 800 مليون إلى 2,3 مليار شخص حول العالم، مصابون حاليّاً بعيوب انكسار بصرية. فمثلًا في سنغافورة يعاني نحو 80 في المئة من الشباب في سن الثامنة عشرة من قصر النظر، وهو ما يشكل زيادة رهيبة مقارنة بثلاثة عقود مضت، حيث كانت النسبة لا تزيد على 25 في المئة في نفس الفئة العمرية من السنغافوريين. والغريب أن سكان سنغافورة من ذوي الأصول الهندية، يعاني 70 في المئة منهم من قصر النظر عند نفس السن، مقارنة بـ10 بالمئة فقط من أقرانهم القاطنين في الهند. وعلى رغم أن شعوب آسيا تحتل المرتبة الأولى بين شعوب العالم على قائمة مدى انتشار عيوب الانكسار، حيث يوجد في الصين وحدها نحو 400 مليون مصاب بقصر النظر، إلا أن بقية دول العالم تعاني هي أيضاً من نفس المشكلة، وبدرجات متفاوتة. ففي دراسة حديثة أجريت على طلاب السنة الأولى في الجامعات البريطانية، ظهر أن 50 في المئة منهم يعانون من قصر النظر، وفي الوقت نفسه أظهرت الإحصائيات بين عامي 1995- 2004 ، أن 42 في المئة من الأميركيين في الفئة العمرية من 12- 54 سنة يعانون من قصر النظر، مقارنة بـ25 في المئة فقط بين عامي 1971- 1972. وفي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن هذه الزيادة سببها ارتفاع مستوى المعيشة، وتوافر الخدمات الصحية بشكل أوسع، ما يعني أن عدد الأشخاص الذين يسعون لفحص نظرهم هو الذي زاد في الحقيقة، وبالتالي زاد عدد من يتم تشخيص إصابتهم بقصر النظر، إلا أن الشكوك تزايدت مؤخراً حول مدى صحة هذه النظرية، حيث أصبح الخبراء يشيرون إلى الظروف البيئية اليومية، كسبب أكثر تأثيراً مما كان معتقداً سابقاً ضمن أسباب الإصابة بقصر النظر. وهذه الشكوك أكدتها دراسة جامعة "كامبريدج" سابقة الذكر، حين ظهر أن الأطفال المصابين بقصر النظر يقضون في المتوسط وقتاً خارج المنزل بنسبة 3,7 ساعة أسبوعيّاً أقل من أقرانهم المتمتعين بنظر سليم. وسبب هذا الفارق في قوة النظر ربما كان مرده إلى الإضاءة الطبيعية الخارجية، أو استخدام النظر لمسافات بعيدة، وربما أيضاً ما يكون السبب هو أن الأطفال الذين يقضون وقتهم داخل المنزل ينخرطون خلال هذه الفترة في نشاطات تعتمد على النظر القريب، مثل القراءة، أو مشاهدة التلفزيون، أو ممارسة ألعاب الفيديو والكمبيوتر. وهذه التفسيرات والاحتمالات لا تزال محل دراسة قبل أن يتم تأكيدها، وإن كان المؤكد هو أن قضاء وقت خارج المنزل في ممارسة النشاط البدني والرياضة، يحقق وقاية من السمنة، والسكري، ونقص فيتامين (د)، وهشاشة العظام، وغيرها من الفوائد الصحية الجمة للكبار والصغار على حد سواء.