شكّلت عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل و"حماس" مؤخراً لحظة مفعمة بالمشاعر بالنسبة لآلاف الفلسطينيين ممن عادوا إلى أهلهم وأُسرهم الذين لم يروهم منذ سنوات عديدة. ولكن كان هناك ثمن لذلك، إذ قد يرى البعض عملية إطلاق الأسرى على أنها إنجاز لتوجه "حماس" المتشدد، وقصة نجاح لم تتمكن الجهود الدبلوماسية الفلسطينية والمفاوضات مع إسرائيل من تحقيقها. وقد جاءت عملية تبادل الأسرى بعد أسابيع قليلة فقط من مساعي عباس وهو يقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ويقدّم طلباً للاعتراف بفلسطين كعضو كامل ودائم في المنظمة الدولية. ومن بين الأسباب التي جعلت عباس يقرر الذهاب إلى الأمم المتحدة إيمانه بأن العمل الدبلوماسي يأتي بنتائج للشعب الفلسطيني أكثر من المقاومة المسلّحة. فقيادة منظمة التحرير الفلسطينية مقتنعة بأن أي تجدّد العنف سيأتي بنتائج كارثية للقضية الفلسطينية. ويعتمد ما إذا كان توجه السلطة الفلسطينية الدبلوماسي سيتغلب على أسلوب "حماس" المتشدد والمسلح إلى درجة كبيرة على تجاوب المجتمع الدولي مع الطلب الفلسطيني بالعضوية في الأمم المتحدة. أما الآن، فيبدو من المؤكد أن طلب الانضمام إلى المنظمة الدولية سيواجَه بـ"فيتو" أميركي في مجلس الأمن. وعلى رغم ذلك، فستستمر القيادة الفلسطينية في متابعة جهودها لانضمام فلسطين في الأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهي تعمل كذلك على ضم فلسطين إلى منظمات دولية أخرى وقد نجحت بالفعل في الانضمام إلى اليونسكو، وتسعى لذات الشيء في منظمة التجارة العالمية، وتريد كذلك الحصول على اعتراف البرلمان الأوروبي. وتهدف هذه الجهود إلى الوصول إلى تصويت الجمعية العامة بأكبر عدد ممكن من اعترافات المنظمات الدولية، ما سيضع بدوره الضغط على الدول التي لا تعترف حاليّاً بدولة فلسطين. ينتقد العديد من القادة السياسيين والدبلوماسيين المناصرين لإسرائيل السياسة الفلسطينية الجديدة، ويصفونها بأنها أحادية الجانب. إلا أنهم لم يقترحوا أية بدائل على الفلسطينيين لضمان حقوقهم باستثناء العودة إلى طاولة المفاوضات، التي لم تحقق شيئاً للشعب الفلسطيني بعد أكثر من ثمانية عشر عاماً من بدئها. ويتعين على المجتمع الدولي الآن أن يُظهِر للفلسطينيين أن هناك نتائج جوهرية ومكافآت حقيقية لجهودهم الدبلوماسية. وبغض النظر عما إذا جاء ذلك من مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو أية منظمة عالمية أخرى، فإن الدعم من جانب أي من هؤلاء اللاعبين للجهود الدبلوماسية الفلسطينية سيعزز موقف من يعملون باتجاه حل سلمي للنزاع، ويشجع الشارع الفلسطيني على دعم حل الدولتين. ويمكن أن يشكّل ذلك تقاطع طرق حاسماً. ويتعين على المجتمع الدولي أن يُظهِر للشعب الفلسطيني أنه يدعم سعيه لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، ومن خلال ذلك، إثبات دعمه لهؤلاء الذين يؤمنون بالمفاوضات والدبلوماسية كسبيل لحل النزاع وتحقيق السلام. داود أبو لبدة ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" مدير المشاريع في مركز الديمقراطية واللاعنف