يطرح سلوك الجيوش العربية في ظل الربيع العربي كثيراً من الأسئلة، فالجيش في كل من تونس ومصر حسم الموقف لصالح قوى التغيير. وفي هذا، يمكن اعتبار الجيش في مصر وفي تونس جزءاً من قوى الثورة، ولكن الجيش في كلا البلدين جزء من النظام القديم في الوقت نفسه. في كلا البلدين انقلب الجيش على النظام القديم في لحظة تاريخية وساهم في إنقاذ كل من تونس ومصر من مجزرة وكارثة وطنية. أما الجيوش في كل من اليمن وليبيا وسوريا، فلها أدوار سلبية مختلفة. وما أمكن تفاديه في مصر وتونس، لم يتم تفاديه في سورية وليبيا واليمن. وعندما تتشكل الجيوش في ظل الخوف من الآخرين من أبناء الوطن، أكانوا أغلبيات أو أقليات ستفقد هذه حتماً الروح الوطنية. ومن هنا، يتحول الجيش إلى قوة تحمي نظاماً وفئة أو طائفة وليس بالضرورة الوطن والأرض والمستقبل. إن الجيوش الخائفة تتحول مع الوقت إلى حالة من الكراهية لفئات رئيسية في المجتمع، مما يخلق نظرة مشوهة لدورها في الحماية الوطنية. أما في معظم بقية الدول العربية، فالعلاقة مع الجيوش مرت بمراحل، وهي تبدو ساكنة في ظل الربيع العربي، فكما يبدو على السطح، يبدو أن الجيوش في تلك البلدان تخضع لشرعية السياسيين، وهذا يعني أنها تقبل بشرعية النظم الحاكمة. وينبغي أن نلاحظ أن الجيوش في الدول العربية عموماً، وخاصة بعد موجة الانقلابات العسكرية، قد جرى تهميشها بصورة كبيرة لصالح الأمن والاستخبارات والأجهزة، وهذا يعني امتلاك الجيوش لدور أقل على كل صعيد، نسبة إلى الأجهزة الأمنية وتأثيرها. ولكننا في مرحلة مفاجآت، فالجيش المصري المهمش نسبة إلى الأمن والاستخبارات استطاع تفعيل دوره في لحظة تاريخية، ولهذا نستنتج أنه لم يعد هناك من ضمان لبعض الأنظمة في علاقتها بالجيوش وحتماً بالشعوب، سوى السعي للإصلاح العميق والتحاور مع القوى المختلفة والمعارضة في سبيل بناء حياة سياسية ديمقراطية يكون أحد نتائجها إبقاء الجيوش في ثكناتها. لقد غير الربيع العربي وضع الشعوب، لكنه أيضاً غير موقع الجيوش في المعادلة العربية.فهذا الربيع أبرز دوراً جديداً لقوى جماهيرية لم تكن فاعلة حتى الأمس القريب. وهو يعكس تفجر السياسة على المستوى الشعبي بينما يدفع بلا توقف بجيل جديد يطالب بدور وحقوق وعلاقات جديدة بين النظم والشعوب وبين العسكريين والسياسيين. ولذا فإننا نمر الآن في مخاض كبير يتجاوز لعبة الشطرنج التي تحكم علاقة السياسيين بالجيوش. إننا نشهد الآن تغيراً كبيراً يسهم في تأسيس قواعد جديدة للعبة. شفيق الغبرا أكاديمي كويتي ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"