منذ أن اندلعت الحركات الشعبية في بعض البلاد العربية، خرجت العديد من الأصوات، وبعضها من مفكرين عرب بارزين، وهي تفسر ما يحدث في إطار وحيد يرتبط بنظرية المؤامرة الآتية من الخارج للسيطرة على مقدرات وثروات العالم العربي. مثل هذا الطرح يبدو لي سطحياً وربما ساذجاً إذا ما أخذ به على أنه التفسير الوحيد لما يحدث، فصراع الأمم من أجل الحصول على ما هو موجود من ثروات ليس بالأمر الجديد، ولم يشكل في يوم ما تفسيراً وحيداً لما حصل من أحداث في أية منطقة من مناطق العالم. وأنا لست بمعرض تفسير أسباب ما يحدث في بعض البلاد العربية، إنما أحاول التوضيح بأن الصراع على القوة والسلطة والثروة هو شأن عالمي درجت عليه أمم الأرض جميعاً منذ ما قبل ظهور الدولة الوطنية بشكلها المعاصر. ومع انتهاء الحرب الباردة أصبح من الصعب تفسير المشاكل والحروب التي تندلع في عالم اليوم سواء في داخل الدول أو بين بعضها بعضاً، وإلى الآن تم طرح العديد من المقولات للإجابة على ما يحدث، لكن معظمها يدور حول سياسات الهوية الوطنية وما يرتبط بذلك من "صراع بين الحضارات"، وبالرغبة في تحقيق الحرية والديمقراطية. وفي بعض الحالات أثبتت مثل تلك الطروحات فائدتها في تحديد مصادر صراعات أو مشاكل بعينها، لكنها فشلت في تقديم التفسيرات المناسبة، وسرعان ما أصبح واضحاً بأن عوامل أخرى تلعب دورها في الأحداث التي تدور. ما يطرحه بعض المفكرين العرب ليس خاطئاً على إطلاقه، فحقيقة أن أمم الأرض جميعاً تتصارع على الموارد النادرة خاصة النفط والمياه والأرض والمعادن والأخشاب ومصائد الأسماك، لكن هذا الصراع لا يخص العالم العربي وحده، وكأن العالم لا يرى وجود مثل تلك الموارد سوى في العالم العربي لكي يتآمر عليه ليغتصبها منه. صراع السيطرة على الموارد أمر معترف به منذ أمد بعيد على أنه جالب للصراعات الدولية، وبالفعل يلاحظ بأن العلاقات بين القوى العالمية منذ عام 1400 إلى أن قامت الحرب العالمية الأولى كان مسيطراً عليها من قبل السعي التنافسي للهيمنة على المستعمرات الغنية بالموارد، وهي مساع كانت تقود دائماً إلى نشوب الحروب، بالإضافة إلى ما كان يحدث من نشاطات لخلخلة الأمور في داخل المستعمرات لكي تضعف وتتم السيطرة عليها. وأيضاً قامت الحرب العالمية الثانية لأسباب تتعلق بالسيطرة على الموارد. لذلك فنحن كعرب ليس في صالحنا اجترار نظرية المؤامرة المرة تلو الأخرى، بل علينا حماية أنفسنا من ذلك واتقاء شر من نعتقد بأنهم يتآمرون علينا. ما نشهده في هذه المرحلة من تاريخ العالم، هو بروز تداخل واضح ومعقد من الصراعات، سواء بين دولة وأخرى أو بين منطقة وأخرى أو بين القوى الكبرى للسيطرة على الموارد المهمة المتاحة في عالم اليوم. ففي جانب تقف القوى الرئيسية وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وأوروبا الغربية، وهي جميعها تسعى إلى السيطرة على المناطق المنتجة للموارد كحقول النفط والغاز في الخليج العربي وبجر قزوين. وفي الجانب الآخر تقف الجماعات المحلية كأمراء الحرب وقادة الميليشيات المسلحة وزعماء الطوائف والمذاهب، الذين يسعون إلى السيطرة على العوائد الآتية من الموارد النادرة في الوقت الذي يحصلون فيه على رعاية ودعم من يقف وراءهم في الخارج. وينتج عن ذلك زيادة تدفق الأسلحة والمستشارين والقوات والمرتزقة إلى المناطق المعنية. لذلك فإن مهمة العرب الرئيسية ليست التغني بنظريات المؤامرة والقول بوجودها، فهذا أمر مسلم به، إنما مهمتهم هي كيفية حماية أنفسهم من كل ذلك وتحقيق مصالحهم وسط الصراع الجاري. وهذه العملية تبدأ بالإصلاح، أي إصلاح أنفسنا ونظمنا السياسية ومؤسساتنا ومجتمعنا وثقافتنا واقتصادنا، فهذه عناصر جميعها ينخرها السوس ولا مجال أمامنا سوى إصلاحها.. و"مشوار المليون ميل يبدأ بخطوة".